
خلال ترحالي في الهند، زرت عاصمة مملكة ميوار القديمة، ويطلق عليها اسم أودايبور. تمتد ميوار لحوالي ثلاثين كيلومترًا مربعًا، وترتفع أوديبور 1900 قدم تقريبًا فوق مستوى سطح البحر.
في هذا السياق، يقول الحفيد 76 للمهرانا: “ولدنا في هذا البلد، نقرأ ونستمع إلى الكثير من الأغاني والقصائد، وقصص حكام راجبوث الكبيرة في ميوار. عاشت عائلاتنا هنا منذ 1400 سنة، الماهارانا الحالي من شري آرفينغ سينغ موار، يعد الخليفة السادس والسبعين.”
سألت الحفيد: كيف كانت سمعة المهراجا والمهرانا في ذلك الوقت؟ وما الفرق بين المهراجا والمهرانا؟ فأجابني قائلًا إن “رجا” هو مصطلح تستخدم للحاكم، و”مها” يعني كبير؛ وتأسيسًا عليه تعني “مهراجا” حاكم المملكة الكبيرة، وهو حاكم نظامي مسؤول وله قائد كبير يحارب في معاركه، أما “مهارانا” فحاكم نظامي مسؤول ومقاتل، والقائد المشرف على الجبهة، ويحظى باحترام كبير لقاء أعماله العظيمة.
هل مرَّ المغول من هنا؟
فتح الله قلوب أهل الهند للإسلام قبل أن يأتي المغول سنة 1525 م، وأقدم غرف القصر في جانب، بينما في الجانب الآخر حدائق جميلة، إذ لا بدَّ للنساء من وضع غطاء. دخلت غرفة المهرانا “بوبال سينجي”، تدعى “شاندرا براكاش” ومعناه ضوء القمر، نسبة للرسومات التي تظهر كأنها قمرًا كاملًا، واحتواء جميع صورها على صورة القمر. إنها غرفة خيالية بمعنى الكلمة؛ السقف مبني على ارتفاعٍ شاهق، إن جمال تلك الغرفة لا يوصف، وفيها جرى توقيع اتفاقية انضمام جميع المملكات في شمال السند إلى الهند.
لوحات الغرفة تعبّر عن بدر مكتمل مع الطاووس والملائكة والفراشات والطيور، وفي السقف رسومات الفيلة بينما اختيرت الزينة من الذهب. ثمة غرفة جميلة أخرى تعرف باسم “سارجان نيفاس”، بناها “سارجان سينغ جي” سنة 1877 .
تساءلت عن سر وجود مروحة تتوسط الغرفة، وهي أقدم مروحة في الهند بأسرها؛ فجاءني الجواب سريعًا، إذ إن المهراجا أو المهرانا وقتها اتخذ خدمًا يؤدون دور المروحة في تلطيف الجو وتبريده، إلى أن ظهرت المراوح مع وصول الكهرباء سنة 1937، فأصبحت هذه المروحة الأولى في الهند، واستعملها المهراجا رغم الإزعاج الكبير الذي تحدثه أثناء تشغيلها، وألوانها ذات مبهجة وجميلة، صممت المروحة داخل غرفة أغلب مكوناتها من الزجاج الكامل، ويطغى عليه اللون الأخضر.
كانت اللوحات أساسيات زينة جدران القصور والأبنية، حيث إنها تصوِّر الطبيعة وتلخص الحياة وجمالها، وتعكس الأذواق المختلفة لكل مهارانا بما فيها الرقص الشعبي، والذي ساد الهند وانتشر في كل بقاع الأرض بما فيها لندن.
هذه القصور والأبنية تعد من أقدم الغرف التي بنيت في الهند، بها مجموعة من الأقواس الرائعة بناها “شامبو شينجي”، وقد أثارت انتباهي منذ وصولي إلى هنا.
امتلك القدماء نظرة ثاقبة، رغم غياب التكنولوجيا المتطورة المتوفرة حاليًا؛ فالغرفة ذات إطلالة جميلة على البحيرة، وعلى الجانب الآخر من جهة الغرب تطل على منظر أشعة الشمس الذهبية، ويضفي عليها بريق مياه بحيرتها لمسة جمالية كبيرة. أتصور أن المهراجا كان يواظب على الجلوس في هذه الإطلالة الرائعة، ويستمتع بمنظر الغروب المؤثر، ربما استدعى في مخيلته أوان أفول شمس ملكه، أو تواردت على خاطره ملامح غروب شمس حياته؛ فإن للجمال إيحاءات لا تنتهي، ومنها إيحاء الرحيل.
أصرّ الأصدقاء أن أتجول في قارب يزيد عمره عن 400 سنة، وأسبح به في بحيرة القصر الساحرة، وتعرفت على الثقافة الهندية عن قرب، ولامست تراثها وقلّبت بعض أوراق تاريخها، أظنها تجربة ولا أجمل.