
خلال ترحالي في تركيا، أبهرني المطبخ التركي المميز والغني عن التعريف، وللتعرف على المزيد من هذا، اتجهت نحو مدينة بورصة؛ لأكتشف أصل أكلة الإسكندر كباب، أو الشاورما كما هي معروفة عند العرب. حسب الرواية التركية، فإن اختراع طبق الشاورما يعود إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، على يد محمد أوغلو إسكندر أفندي الذي كان يقطن في مدينة بورصة، فهو أول من جاء بفكرة طبخ اللحم على شواية عمودية تسمح لقطرات الذهن المنسابة للأسفل، بسقي اللحم لإكمال عملية الطهي. اعتقد مخترع هذه الطبخة أن اللحم المشوي بهذه الطريقة أشهى؛ لأنه يحافظ على محتويات اللحم من العصارات والدهون. كان لا بّد لي من زيارة المطعم والتعرف على أحفاد المؤسس، والوقوف عند القيمة التاريخية المضافة لمطعم.
رافقني في جولتي داخل المطعم، يافوز إسكندر أوغلو، الذي يمثل الجيل الثالث، وأوزهان إسكندر أوغلو الذي يمثل الجيل الرابع، إنه لشيء عظيم أن يستمر نفس المشروع في نفس المكان ومن نفس العائلة. كنت متحمسًا للتعرف على المكان الذي انطلقت منه الشاورما، متحف ينبض بالتاريخ إذ يوجد مكان مخصص لصور العائلة، وصورة المؤسس، وواجهة المحل منذ أكثر من 150 سنة.
توجد الأواني القديمة التي كانت تستخدمها الأجيال المتعاقبة في تحضير طبق الشاورما، كنت سعيدًا وأنا أمسك بأول سكين قطع به هذا الطبق العالمي. المكان بمثابة معلمة تاريخية، لكنه في الآن نفسه مصدر رزق ويدر دخلًا وفيرًا على العائلة. اعتقدت في بادئ الأمر أن المطعم يتوفر على لائحة طعام وبه أكلات متنوعة، لكن تبيَّن العكس؛ فعشرات الموظفين والطباخين يحضرون طبقًا واحدًا وهو إسكندر كباب. أكثر من ألفي طبق يتم تحضيرها يوميًا في هذا المطعم، كيفية التحضير والمقادير المستخدمة كلها كما هي منذ أكثر من 150 سنة، وهذا ما يجعل المكان مميزًا وفريدًا من نوعه.