
في يناير (كانون الثاني) 2006، أدى انفجار في منجم ساجو في وست فرجينيا إلى مقتل 12 عاملًا، وكان من بين المُصابين في الحادث راندي ماكلوي، الذي ناضل بشدة من أجل البقاء على قيد الحياة. عانى ماكلوي من الصدمة والتسمم بأول أكسيد الكربون وانهيار الرئة والفشل القلبي والكلوي، وارتأى الأطباء إدخاله في وضع الغيبوبة المستحثة طبيًّا.
«الغيبوبة» كلمة قد تكون مخيفة، فهل تتخيل أن يكون هناك غيبوبة «مُستحثة طبيًّا»، أي إن الأطباء هم من يختارون هذا الوضع للمريض؟ قد يصعب تصور هذا، لكن، نعم، يمكن استخدام الغيبوبة بوصفها أداة طبية لتحسين وضع المريض، ويُعرف هذا النوع من الغيبوبة باسم الغيبوبة المستحثة طبيًّا، وقد ثبت أنها فعالة في علاج بعض المرضى.
الغيبوبة المُستحثة قد تكون حلًّا أو ملاذًا أخيرًا يلجأ إليه الأطباء لحماية حياة المريض، وهي حالة أشبه بتجميد وضع المريض، لكسب المزيد من الوقت، تابع قراءة السطور التالية للتعرُّف أكثر إلى الغيبوبة المستحثة طبيًّا.
ما هي الغيبوبة المستحثة طبيًّا؟
الغيبوبة المستحثة طبيًّا، هي حالة يستخدم الأطباء خلالها الأدوية لتحقيق حالة عميقة من خمول الدماغ، فهي حالة فقدان وعي عميق، يتسبب فيها الأطباء عمد، واستُخدمت الغيبوبة المستحثة طبيًّا، والتي تجرى على المرضى المصابين بأمراض خطيرة، لمدة ربع قرن أو أكثر، لوضع الدماغ في حالة سبات مؤقت لإتاحة الوقت للدماغ للتعافي.
إذن ما الذي يجعل الأطباء يتخذون خيار إبقاء المريض في حالة غيبوبة مُستحثة؟ وفقًا لجمعية أطباء التخدير الأمريكية، فإن الاستخدامات الأكثر شيوعًا للغيبوبة المُستحثة تنطوي بشكل أساسي على وجود إصابات خطيرة في الدماغ.
فيُعدُّ ارتفاع ضغط الدم داخل الجمجمة أحد أكبر المخاطر المرتبطة بإصابات الدماغ، فمع تراكم السوائل داخل الحدود الثابتة للجمجمة، يحدث ضغط الدماغ، وإذا لم ينحسر الضغط، فقد لا يصل الدم المؤكسج إلى جميع مناطق الدماغ، مما قد يؤدي إلى حدوث تلف دائم في الدماغ.
تضع الغيبوبة المُستحثة الشخص في حالة عميقة من فقدان الوعي، مما يسمح للدماغ بالراحة وتقليل النشاط الكهربائي للدماغ ومعدل الأيض، ومن ثم يقلل من التورم. يمكن أن يؤدي انخفاض التورم إلى ضغط أقل على الدماغ، مما يقلل من مخاطر الآثار الضارة، ويحمي الدماغ من حدوث المزيد من التلف. أي إنه من خلال إجبار الدماغ على حالة الراحة، يقل الطلب على الدم والأكسجين والجلوكوز نظريًّا، ويكتسب الوقت لتقليل التورم والضغط، وبخلاف إصابات الدماغ هناك أسباب أخرى تؤدي إلى اتخاذ قرار الغيبوبة المستحثة، مثل: الجرعات الزائدة من المخدرات والسكتات الدماغية.
كيف يتم إجراء الغيبوبة المستحثة ومتابعتها؟
سيبدأ طبيب التخدير في إدخال المريض في حالة الغيبوبة، سيعطي طبيب التخدير أدوية تحث على الغيبوبة، وهي مواد تخدير قوية ستأخذ الدماغ إلى حالة من اللاوعي العميق.
تمتلك وحدات العناية المركزة المعدات اللازمة لدعم مجرى الهواء، ومراقبة معدل ضربات القلب، وضغط الدم والتنفس، هذا الدعم والمراقبة ضروريان طوال الوقت الذي يكون فيه شخص ما في غيبوبة طبية.
سيقوم طاقم وحدة العناية المركزة بمراقبة مخطط كهربية الدماغ (EEG) باستمرار ومتابعة ضبط جرعة التخدير حسب الضرورة للحفاظ على مستوى نشاط الدماغ المستهدف، وفي معظم الحالات، تكون الغيبوبة المستحثة طبيًّا ضرورية فقط لفترة قصيرة من الزمن، يستخدم الأطباء الإجراء عادةً لبضعة أيام أو لمدة أسبوعين، ومن النادر أن تستمر الغيبوبة المستحثة طبيًّا لفترات أطول.
المخاطر والمضاعفات المحتملة للغيبوبة المستحثة
لا تُعد الغيبوبة المستحثة إجراءً شائعًا، فعادة ما تكون الحل الأخير عندما تفشل الخيارات الأخرى في العلاج، إذ إن هناك بعض المخاطر والمضاعفات المحتملة للغيبوبة المُستحثة، منها أن هذا الإجراء يُخفض ضغط الدم، مما قد يؤدي إلى مضاعفات لبعض الأفراد، من المضاعفات أيضًا العدوى، وخاصة الالتهاب الرئوي، وتقرحات الضغط، والضعف الناتج من حالة الجمود، علاوة على كوابيس وهلوسة حية، قد تحدث نتيجة لبعض التحفيز الخارجي؛ إذ يمكن لبعض المرضى الشعور ببعض الأشياء من العالم الخارجي أثناء وجودهم في حالة الغيبوبة.
وتنشأ هذه الكوابيس والهلوسة عندما يحاول الدماغ فهم التحفيز، ويفسر هذا ما يقوله المرضى عن الكوابيس وحتى الهلوسة التي رأوها أثناء الغيبوبة المستحثة طبيًّا.
ويمكن القول بأن هذه المضاعفات هي السبب الذي يجعل المراقبة المستمرة للمريض أثناء وضعه في حالة الغيبوبة المستحثة، أمرًا بالغ الأهمية. ويمكن أن تشمل المراقبة قياس موجات الدماغ وحتى القياس المباشر للضغط على الدماغ، ويمكن أيضًا استخدام الاختبارات العصبية، مثل استخدام مقياس جلاسكو، لتقييم أداء الدماغ والاستجابة للمنبهات.
ليس من الممكن دائمًا تقليل مخاطر حدوث مضاعفات للغيبوبة المُستحثة، كذلك، قد يكون من الصعب فصل مضاعفات الغيبوبة التي يُسببها الأطباء عن مضاعفات إصابة الدماغ نفسها.
أما عن التعافي من الغيبوبة المُستحثة طبيًّا، فيعتمد طول الوقت الذي يستغرقه التعافي على عدَّة عوامل، منها: مدى خطورة إصابة الدماغ التي أدَّت بالأساس إلى اتخاذ خيار الغيبوبة المُستحثة، ومُدَّة استمرار الغيبوبة. فبشكل عام، كلما زادت الحاجة إلى الغيبوبة، زاد الوقت المستغرق لاستعادة الوظائف. ولإخراج المريض من الغيبوبة المُستحثة، يجري سحب الدواء، المُستخدم في تخديره، تدريجيًّا ويستعيد المريض وعيه.
يعتمد التأثير النهائي للغيبوبة المُستحثة في الحياة اليومية إلى حد كبير على مدى تلف الدماغ الناتج من الإصابة، ومن الممكن أن يُعاني المريض الذي جرى وضعه في غيبوبة مستحثة، من إعاقة طويلة الأمد، بسبب الإصابة الأساسية.
المصدر: ساسة بوست