تزامنت رحلتي في أغوار الثقافة التركية مع أحد أهم مباريات نادي بشكتاش في الدوري التركي، لم أشأ أن أضيع فرصة مشاهدة المباراة، لكن ولعي الأكبر كان الالتقاء بأحد أكبر مشجعين نادي بشكتاش، كوراي أوزجان، فقد كان يجول في خاطري كثير من التساؤلات.

منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها منزل المشجع، لم ترَ عيني غير شعار نادي بشكتاش، الشعار في كل مكان، وبطبيعة الحال بشكتاش في قلب الرجل. داخل الصالون يوجد حائط الفخر، معلّق فيه كل الأشياء القيمة الخاصة بالنادي؛ فمثال توجد كرة عليها توقيع كل لاعبي النادي، هي أول كرة لعب بها نادي بشكتاش في ملعب فودافون، الملعب الرسمي لنادي بشكتاش.

وعلى نفس الحائط توجد بعض مجسمات النادي، والتي جاءت كهدايا من الأصدقاء المشجعين، وذلك في عرس كوراي أوزجان. كان يجول في خاطري سؤال ملح، طالما رغبت في العثور على جوابه، ما سر كل هذا الحب لنادي بشكتاش؟

تعرف المشجع على زوجته داخل إحدى مبارياة بشكتاش، وهي من مشجعات الفريق، وبطبيعة الحال الأسرة اليوم كلها مولعة بحب بشكتاش. ينبع حب نادي بشكتاش من ألوان شعار الفريق ذاته، يعتبر المشجع كواري أن الأبيض والأسود هما لونا الحياة كلها، لوانا الخير والشر الجمال والقبح، كل شيء يقوم على الأبيض والأسود.

ذهبتُ من قبل إلى الأرجنتين والبرازيل، ورأيت مدى حبهم لكرة القدم، توقعت أن هذا أكبر حب يراه الإنسان، لم أكن أتخيل قط أن الأتراك لديهم ولع بكرة القدم، لمست حماسًا ملتهبًا في أعين الرجل، الأمر ليس مجرد تشجيع فريق رياضي، بل أصبح نمطًا وفلسفة حياة.

للفريق أيضًا تاريخ عريق؛ فقد تأسس زمن الدولة العثمانية في سنة 1903، وتم تسجيله كأحد أندية كرة القدم عام 1910، ويسمى نادي بشكتاش بــ النسور السوداء، نظرًا للقميص الذي يرتديه الفريق، وهو أول نادي تركي يفوز ببطولة الدوري.

قبل 30 سنة، لم يكن شعار النادي هو النسر، ولكن هناك قصة معروفة؛ فقد قال بعض المعلقين في إحدى المباريات على هجوم فريق بشكتاش وشبّهه بالنسر، وأصبح منذ ذلك الوقت النسر شعارًا ورمزًا للفريق.

أهداني المشجع كواري هدية جميلة، عبارة عن قميص لنادي بشكتاش يحمل اسم علي، وأصر أن ألبسه لكي نذهب إلى المباراة المهمة، وفي طريقنا إلى الملعب تجدد حديثنا حول نادي بشكتاش؛ لأني كنت أرغب في معرفة المزيد حول هذا النادي، فقد بدى جليا أن الأمر ليس متعلقًا بالرياضة فقط. أدركت من حواري الطويل مع المشجع أن نادي بشكتاش مرتبط بأنشطة اجتماعية مهمة داخل المجتمع التركي؛ فللنادي مبادئ ثابتة تنبثق من فلسفة اشتراكية، إذ يقوم مشجعو النادي بتنظيم حملات لمساعدة الحيوانات، وأخرى لتنظيف الشوارع والأماكن الخضراء، والتوعية بخطورة التلوث والمشاكل البيئية الأخرى.

ورغم انخراط النادي في أعمال اجتماعية كثيرة، إلا أن المشجع كواري أكد أن بشكتاش لا يؤيد أي حزب أو تنظيم سياسي، بل هو مستقل، يشجع وصول المجتمع التركي لحياة أفضل وأرقى.

الشيء اللافت للانتباه أن نادي عريق مثل بشكتاش تجاوز الرياضة إلى أمور خيرية وتوعوية مهمة، ربما قد تساءلت في بداية اللقاء عن سبب الحب الكبير لنادي بشكتاش، لكن الآن ملِّمًا بالأسباب الكامنة وراء ذلك.