
ماذا تفعل لو منحت يوما مجموعة من القراد كهدية؟ إنها ليست مزحة، بل إن ذلك ما حدث بالفعل مع جوليان شيفرد، الأستاذ المشارك في جامعة ”بينغامتون“ (Binghamton University) بالولايات المتحدة عام 1976. لم تكن أبحاث شيفرد آنذاك ترتكز على هذا الموضوع، ولذا فقد قرر مراقبتها لمدة 45 عاما بعد ذاك التاريخ.
تنتشر أغلب أنواع القراد في قارتي أفريقيا وأميركا الشمالية. كان القراد الذي منح لشيفرد من نوع ”أرجاس برومبتي“ (Argas brumpti)، وهو نوع من القراد اللين الذي يستوطن المناطق الأكثر جفافا في شرق وجنوب أفريقيا. ويختلف هذا القراد عن النوع الذي يعرفه الأميركيون في قارتهم، والذي يمتلك درعا ظهريا صلبا ويحتاج إلى الطعام لفترات طويلة وينتفخ بشدة بعد تناول الطعام.
وخلال تلك العقود، كان شيفرد يدون ما تعلمه من القراد. وقد نشر شيفرد مؤخرا نتائجه في دراسة بحثية صدرت في دورية ”جورنال أوف ميديكال إنتومولوجي“ (Journal of Medical Entomology) في 13 من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
والجدير بالذكر أن الأبحاث المتعلقة بقراد ”أرجاس برومبتي“ قليلة نسبيا، ربما لكونه لا يسبب الأمراض. ولذا، فإن ملاحظات شيفرد قد توفر بعض المعلومات المذهلة عن طبيعة هذا القراد.
عمرٌ فريدٌ
ويضيف شيفرد أن ”أرجاس برومبتي“ هو قراد كبير الحجم، إذ يصل طول الإناث إلى 20 مليمترا. كما يميل هذا القراد إلى الانتشار في المناطق التي يتوافر فيها الطعام كجُحُور الحيوانات وتلال النمل الأبيض.
وبحسب ما أفاد تقرير نشر على موقع ”ساينس ألرت“ (Science Alert) فقد احتفظ شيفرد بالقراد الممنوح له عند درجة حرارة تقدر بــ21 درجة مئوية، وفي رطوبة بلغت نسبتها 81%، وهي الظروف المثلى لمعيشة هذا النوع من القراد. وعلى الرغم من أن شيفرد أبقى القراد في درجة حرارة ونسبة رطوبة ثابتة طيلة تلك الفترة، فإن تغذيتهم لم تكن كذلك.
ميزة تكاثرية غريبة
غير أن هذه القدرة على العيش لفترة طويلة تبدو أنها ليست المعلومة المذهلة الوحيدة التي تخص هذا النوع من القراد، فقد مات آخر ذكور القراد -المُهدى إلى شيفرد- في منتصف فترة توقف التغذية التي دامت 8 سنوات. ومع استئناف إطعام الإناث المتبقية، فقد أنتجت واحدة على الأقل من القراد دفعات من البيض الذي فقس إلى ذكور وإناث على حد سواء.
ويقول شيفرد إن التوالد العذري (Parthenogenesis) -وهو شكل من أشكال التكاثر اللاجنسي- يعد نادر الحدوث في هذا النوع من القراد الأفريقي. ولذا، فإن شيفرد يعتقد أن نسل القراد يمكنه تخزين الحيوانات المنوية لفترة طويلة. وهو الأمر الذي أيدته الأبحاث التي أجريت على القراد اللين والتي أظهرت أنها تخزن الحيوانات المنوية حتى يتم إطعامها.
وعندما يطعم القراد، فإن الحيوانات المنوية تتحرك لأعلى الجهاز التناسلي وتخصب البويضات. ويضيف شيفرد أن ”ذلك قد حدث خلال أسابيع قليلة فقط. إذ يبدو أنهم يخزنونها حتى يحصلوا على وجبة جيدة من الدم، وهو ما فعله القراد الذي كنت أقوم بدراسته“.