
كانت تركيا ولا تزال أرضًا للعديد من الرياضات والفنون القتالية المتنوعة، التي تتغذى بعضها من التراث التركي-العثماني، فما كان للتجربة التركية أن تثمر في مجالات الاقتصاد والتعليم والفن والتنمية دون أن يسطع نجم الرياضة، لذلك قررت أن أكتشف في رحلتي في تركيا بعض الرياضات المنتشرة، وكذلك أقابل بعض الرياضيين المعروفين على الصعيد الدولي.
كانت الوجهة الأولى نحو نادي للفروسية الموجود في مزرعة ضخمة، هواء نقي ومسطحات خضراء شاسعة تعطي للإنسان طاقة إيجابية وتجعله مفعمًا بالحيوية والنشاط.
استقبلني الممثل التركي جمال هونال، وهو صاحب النادي، لم أكن أبدًا لأكتشف هذه الرياضة العريقة، وبدأت رحلتي بتناول فطور تركي في أحضان الطبيعة الخلابة.
لاحظت أن الفطور من أكثر الوجبات تقديرًا واهتمامًا من قبل الشعب التركي، إذ يولي الأتراك أهميةً كبرى لوجبة الإفطار؛ فال يكتفون في وجبة الإفطار بصنف واحد، بل يجب أن تكون الوجبة كاملة تضم أنواعًا متعددة من الأجبان والزيتون والزعتر، بالإضافة إلى أنواع الخضروات المتنوعة من الخيار والطماطم الطازجة، كما لا تخلو وجبة الفطور التركي من البيض سواء كان بيضًا مسلوقًا أو مقليًا أو مقدَّما بطريقة أخرى. هذا بالإضافة إلى العسل وأنواع المربى المصنَّعة محليً، وخبز السيميت والشاي التركي الذي لا يخلو من أي مائدة تركية. بالإضافة إلى تنوُّع الوجبات وتكاملها من ناحية القيمة الغذائية، لفت نظري البعد الجمالي الطاغي على مائدة الفطور، ألوان متناسقة تعطي رونقًا خاصًا تفتح شهية الإنسان، حتى يبدأ يومه باجتهاد وهمة.
يقوم نادي الفروسية الذي يرأسه الممثل التركي جمال هونال بجلب الخيول المختلفة الأنواع وتربيتها وإعادة تأهيلها للمشاركة في سباقات محلية أو حتى في مجال السينما وصناعة الأفلام.
أبدى جمال اهتمامه وإعجابه الشديدين بالخيول العربية واعتبرها من بين أفضل الخيول؛ فهي على حد تعبيره ذكية وتتعلم بسرعة. ناقشت هونال حول تاريخ الفروسية باعتبارها تقليدًا تراثيًا عظيمًا ارتبط بالعرب والأتراك على حد سواء، فجذور ثقافة الفروسية وما يدور حولها من رياضات أخرى -كالرماية مثلًا- تعود إلى الشرق. يسعى نادي الفروسية جاهدًا إلى إعادة الاعتبار لهذه الرياضات التراثية.
يلعب هونال في مسلسل “قيامة أرطغرل” دور القائد المسيحي آريس، العدو اللدود لأرطغرل قبل أن يدخل الإسلام ويتحول إلى حليف له. المسلسل المشهور في تركيا والعالم العربي، والذي حقق نجاحًا منقطع النظير، يأخذ من ممثليه وطاقم إخراجه وقتًا وجهدًا كبيرين، إذ يتم تصوير كل أسبوع حلقة مدتها أكثر من 140 دقيقة بمجموع 37 حلقة في السنة. معظم مشاهد المسلسل عبارة عن حروب، ولا يوجد وقت كبير حتى يتدرب الممثلون على حركات القتال وامتطاء الأحصنة والقتال بالسيوف والرماح، لذلك فالمطلوب من الممثلين الارتجال في كثير من اللقطات، وهذا ما يفعله الممثل جمال هونال والذي كان بارعًا في أداء هذه الأدوار.
إن هذه الرياضات القديمة التي كان الأجداد يمارسونها، تحتاج اليوم إلى تطوير بشكل عصري حتى تنتقل بيسر إلى الأجيال المتعاقبة، وقد عبر جمال عن مدى تحمسه لمثل هذه الأفكار؛ فممارسة هذه الرياضات التراثية التي حملها لنا التاريخ، يُشعر الإنسان بالفخر والاعتزاز، فالأمر ليس مجرد رياضة عادية تقوى الجسم، بل هوية وثقافة والمحافظة عليها وإحياؤها واجب ومسؤولية جماعية. كانت رحلتي إلى نادي الفروسية والحوار مع الممثل التركي جمال هونال مفيدة؛ فقد تعلمت كثيرًا من الأشياء كما استمتعت بركوب الخيل وتدربت على الرماية، كلها أشياء ممتعة توسع من المعارف وتزيد من المدارك.
من الطبيعة الخلابة وصهيل الخيول والحديث عن العثمانيين، انتقلت إلى رياضة عالمية، والتقيت ببطل تركي في المصارعة الحرة، قابلته في المكان الذي يتدرب فيه رفقة العديد من الشباب والاطفال.
ولد طه أكغول سنة 1990 في مدينة سيواس، بطل عالمي في رياضة المصارعة، حصد ميدالية ذهبية في أولمبياد 2016 في ريو دي جانيرو، وهو الوحيد الذي حصل عليها في تلك الأولمبياد.
شارك البطل العالمي طه في أولمبياد 2012، لكنه خسر بسبب صغر سنه، استدرك الأمر باجتهاد وعزيمة؛ فحقق إنجازات عالية المستوى، وحصل عام 2013 على الميدالية الذهبية في ألعاب البحر المتوسط، وكذلك حصل على الميدالية البرونزية في البطولة العالمية.
كما فاز بالميدالية الذهبية في البطولة العالمية، التي أُقيمت في العاصمة الأوزباكستانية تاشكنت سنة 2014، وعلى إثر هذا الفوز الكاسح، تم اختيار المصارع التركي كأفضل مصارع في العالم من قِبل لجنة اتحاد المصارعة العالمية. يعتقد طه أنه يحمل مسؤولية كبيرة، فهو يمثل أكثر من 80 مليون مواطن تركي،لا يريد أن يخذلهم في أي لقاء أو بطولة محلية أو قارية.
تحدثت مع البطل التركي طه عن مدى الجهد الذي يبذله أثناء التمارين، فكما هو معروف رياضة المصارعة الحرة من أصعب الرياضات، وتتطلب تمارين شاقة باستمرار. يتدرب طه ثالث مرات يوميًا صباحًا ومساءً بمجموع ست ساعات كل يوم.
فالتضحيات الجسيمة -التي يقدمها الرياضيون- متعددة ومتنوعة مثل خطر الإصابات المتكررة وصرامة الأنظمة الغذائية، هذه التضحيات جعلت تركيا تحصد في تاريخها 86 ميدالية؛ 38 ذهبية و25 فضية و23 برونزية.
كانت فرصةً هائلةً أن أغوص في عالم الرياضات التركية المختلفة؛ فقد تعرفت في رحلتي على رياضات تاريخية ورّثها لنا الأجداد، نجد في ممارستها عمقا لهويتنا وتراثنا الثقافي، ونحس بفخرٍ واعتزازٍ كبيرين يميزنا عن بقية الأمم والشعوب، واكتشفت عالم الأولمبيات والرياضات العالمية التنافسية، والتي أحرزت فيها تركيا انتصارات عديدة، آخرها ميدالية ذهبية في المصارعة الحرة سنة 2016.