
صناعة السيارات في الصين نوع آخر من التحدي، وكأن المنافسة صانعة الصين، أو أن الصين صانعة المنافسة، عدد سكانها الهائل لا يبرر لديها عدم الاعتماد على الآلة، لذلك تعمل الآلات بأوامر إنسان تأسّس وتعلّم كيف يكون منتجًا، البيئة تظل أولوية في الصين، لذلك تعتمد صناعاتها على الرياح والماء لتكون الطاقة نظيفة، كما أنها تعتمد على أمر في غاية الأهمية، جندت له عشرة آلاف موظف مؤهل ورصدت له ملياري دولار للإجابة على سؤال واحد: كيف سننجح في صناعة المستقبل؟ واهتدت إلى الإجابة؛ إنها عبر البحث والتطوير.
أينما توجهنا في الصين نرى المباني العملاقة والمصانع الكبيرة، وأنا أمر على إحدى مصانع السيارات في الصين، أحببت أن أكتشف الصناعة الصينية، وأسرار عبارة “صنع في الصين”، التي ترتبط في مخيلة الناس بضعف الجودة.
تغزو عبارة صنع في الصين كل المنتجات في العالم، من يدري لعل الشاشة التي أمام كل واحد منا مصنوعة في الصين! في الثمانينات والتسعينيات من القرن المنصرم، كانت الجملة تعبر عن قلة الجودة أو حتى انعدام الجودة، وأدرك الصينيون ذلك، وعالجوا المشكلة بشكل سريع، ووصلوا اليوم لفخر الصناعة الصينية.
دخلت إلى مصنع سيارات يضم خمسة وتسعين ألف عامل، وقل العدد تدريجيًا حتى وصل اليوم إلى أقل من أربعين ألف عامل؛ لأنه أصبح يعتمد بشكل كبير على الأجهزة والروبوتات، وينتج أكثر من مليون ونصف سيارة في السنة الواحدة.
اقتربت من أحد الخطوط الصفراء، القريبة من تلك الأجهزة والآليات، يدل على منع المرور، ومخوَّلٌ فقط لأشخاص معدودين لا يتجاوزون شخص أو شخصين في اليوم باستطاعتهم الاقتراب من تلك الأجهزة، تساءلت في نفسي: من يتحكم بكل هذه الروبوتات الضخمة؟ ومن الذي يقود هذا المركب؟ إنها غرفة العمليات القريبة من هنا، دخلت إلى غرفة متواضعة تتحكم في عمل الروبوتات عن طريق إعطاء أمر للقيام بمهمة تستغرق أربعة وعشرين ساعة، ولما ينتهي منها يشعل الضوء الأخضر إشارة على إنهاء العملية، وبعدها يعطونه أمرًا آخر ومهمة أخرى.
منذ عام 2005 اعتمدوا على الروبوتات، والآن لديهم 393 روبوت في ورشة اللحام، ما يعني أن الورشة تعمل آليًا بصورة كاملة. مصنع كامل متكامل يعتمد على الروبوتات، تساءلت في نفسي لما دخلت إلى هذا المكان، هل فعال يحتاج الصينيون كل هذه الروبوتات؟ كيف لأكبر قوة عاملة في العالم أن تحتاج لكل هذه الآلات؟ نحن نتحدث عن قوة بشرية تفوق مليار ومئتي مليون نسمة.
رغم مشروعية هذا السؤال، إلا أن الصينيين أدركوا أهمية الروبوت في الأعمال الكبيرة، وأن الإنسان له أهمية كبيرة وقيمة لا تسمح بتكليفه أعباءً كبيرة وأعمال دورية. في الصين يقدرون الإنسان بشكل كبير.
في محيط المصنع، من أصعب الأماكن اللي صورنا فيها، حتى التلفزيون المحلي لم يستطع تصويرها، شركة السيارات استحوذت على 49 في المائة من شركة “لوتس البريطانية” وأخذت أسهم من الشركة الألمانية “مرسيديس” وأسهم من شركة “فولفو” السويدية، ليس لأسباب استثمارية، بل للحصول على الخبرات الأوروبية والاستفادة منها في تطور صناعة السيارات والانطلاق بالصناعة إلى العالمية.
ركبت الدراجة في اتجاه إحدى الشركات، مباني الشركات أو المصانع ليست مرتفعة مثل باقي المراكز الأخرى، بل تمتد على شكل طولي مثل باقي المصانع في العالم، دخلت إلى شركة “نارادا” لأستفسر عن شيء خطر ببالي.
إنها البطارية! اكتشف ألكسندر فولتر البطارية في سنة 1800، ولكن لم تتطور بشكل كبير فالتركيبة التي وضعها فولتر من النحاس والزنك، إلى أن تطورت البطارية سنة 1980 وأصبحت بالشكل الحالي الذي نعرفه، وهي مركبة من مادة الليثيوم.
وأنا أتأمل بطاريات السيارات، تساءلت عن جدوى هذه البطارية التي تتطور خاصة في الفترة الأخيرة، مع وجود مصادر أسرع للطاقة كالغاز والبترول. قابلت مسؤول العلاقات العامة في شركة “نارادا” للبطاريات وسألته: لماذا انصب كل التركيز على البطاريات فجأة؟
أجاب: كما تعلم تتمحور الحياة حاليًا حول التكنولوجيا، ويفضل الناس أن يشتروا السيارات الإلكترونية، ولذلك بطارية السيارة هي أهم تكنولوجيا فيها، لذلك منذ 2015 بدأت الكثير من الشركات بتطوير وتصنيع البطاريات.
قلت له: حدثني عن الشركات القطرية؟
قال لي: في قطر هناك شركتان كبيرتان إحداهما فودافون والأخرى أوريدو، قمنا بإطلاق عملياتنا منذ 2011، فنقوم بالعديد من الشراكات مع أوريدو.
قلت: أقود دراجتي في هذه المدينة والمدينة هادئة جدًا.. أتعلم لماذا؟ لأن كل شيء يعمل بالكهرباء، الباص والقطار والدراجات، ذهلت كثيرًا حين رأيت كل ذلك! هل لكم دور في هذا؟
قال لي: يتنامى عند الكثيرين حس المسؤولية المجتمعية ليس عند المصنعين وحسب! ولكن للمصنعين دور؛ فنحن مصرحون من قبل المنظمات المحلية، نحن أصدقاء للبيئة. تعتبر هذه الشركة الثالثة عالميًا للحفاظ على الطاقة، والأولى في الصين، وتصر الشركة مع النمو الذي تعرفه الصين والطلب الكبير على الطاقة، على أن تكون مصادر الطاقة متجددة كي تحافظ على البيئة؛ فهي جزء لا يتجزأ من الإنسان الصيني مهما كلفت الحضارة والتقدم.
وأنا أشق طريقي بالدراجة الهوائية، أسهم في الحفاظ على البيئة مثلما يفعل الصينيون، أسابق الأبراج العالية التي تأبى إلا أن تسبقني إلى السحاب، بعدها وجدت داخل إحدى المباني الجميلة، استقبلتني سيدة وهي المتحدثة باسم شركة “آي ميديا” ورافقتني إلى داخل الشركة الكبيرة.
الدور الأساسي لهذه الشركة الكبيرة البحث والتطوير، دخلت إلى الإدارة، وتعتبر من أهم الإدارات في هذه الشركة وشركات غيرها، ويسهمون فيها برأس مال الإدارة فقط، ويصل إلى إثنين مليار دولار فقط، وتتوفر على عشرة آلاف موظف مكاتب في كل العالم، في نيودلهي الهندية، وميلانو الإيطالية وفي كل العالم عندهم مكاتب فقط كي يجيبوا على سؤال واحد؛ كيف هو المستقبل؟