تشتهر تركيا بحلوياتها المتنوعة، والسكر بطبيعة الحال مكون أساسي فيها، وفي تركيا وعالمنا العربي، ويوجد مع الأسف العديد من مرضى السكري، هذه العلة الفتاكة التي يعاني منها كثيرون. سمعت أنه في تركيا يوجد طبيب يعالج مرض السكري، شدني الموضوع كثيرًا فقررت أن ألتقي الطبيب وأعرف منه، معلومات حول طرق العالج، ومقابلة المرضى والحديث معهم حول تجاربهم العلاجية من كثب.
قبل أن أدخل إلى مكتب الطبيب، التقينا أحد المرضى في قاعة الاستقبال، البروفسور ألبير شيليك طبيب في منتصف العمر تبدو عليه مظاهر الاتزان والخبرة الطويلة، حسب الإحصائيات التي قدمها لي فإن عدد المصابين بداء السكري في تركيا قرابة سبعة ملايين شخص.
قابلت البروفيسور رفقة مرضيته، سيدة قد تكون في الخمسينات من عمرها، كانت تبدو في صحية جيدة، استقبلتني بابتسامة عريضة تخفي وراءها تفاؤلًا ورغبة في الشفاء من هذه العلة.
أول تساؤل تبادر إلى ذهني -وأنا ألقي التحية على السيدة المريضة- عن حالتها الصحية، عبرت عن حالتها بجملة “لقد ولدت مرة ثانية.. لقد تحرررت!” أصيبت السيدة بالسكري منذ 30 عامًا، وقد كانت تزن 115 كيلوغرامًا، الآن لقد خسرت نصف وزنها، بدأت علاجها عند البروفسور ألبير شيليك منذ ست سنوات، والآن شفيت تمامًا من المرض. عالج البروفيسور أكثر من 3000 مريض بداء السكري، بعد هذا التحول الكبير في حياة المرضى، أكد لي البروفسور أن المريض يحس أنه يولد من جديد، ويصبح أكثر مراعاة لتوازنه الغذائي؛ فتتغير عادات المريض الغذائية بطريقة تلقائية.
دخلت مع البروفيسور ألبير شيليك إلى مكتبه من أجل معرفة تفاصيل أكثر حول أساليب العالج، حضر معنا أحد مرضى السكري الذين أسهم في شفائهم، مرض عانى منه 20 سنة، وفقد 80 في المئة من بصره لمدة سنة، ومع مساهمة الدكتور الكبيرة في علاجه، شُفي تمامًا من مرض السكري.
بدأ بصر المريض في التدهور منذ عشر سنوات، في البداية عانى من رؤية غير واضحة؛ فقرر طبيب العيون في بلدته أن يجري تصويرًا للأوعية الدموية في عينيه بعد شكه بنزيف شبكي، ثم شُخِّصت حالته باعتلال في الشبكية ناجم عن السكري ونزيف نشط؛ فأُجريت له أكثر من 15 سلسلة من أشعة الليزر، وحوالي 30 سلسلة من الحقن مع وضع أنبوب. خضع لأكثر من 50 علاجًا لعينيه ولم ينتفع منها بشيء؛ لأن المشكلة هي مشكلة السكري بالأساس، مصدر العلة الرئيسي ما زال موجودًا، الذي هو مستوى الغلوكوز المرتفع.
بدأ المريض العالج في مصحة البروفيسور مدة سنة ونصف، وقد عانى من داء السكري النمط الثاني مدة طويلة فضلًا عن تأذي بعض أعضائه الطرفية، خضع في بادئ الأمر لعالج مكثَّف لشهرين، لكنه لم يتمكن من الحفاظ على مستوى الجلوكوز ضمن حدود طبيعية، لذا قرر البروفسور اللجوء إلى الجراحة الاستقلابية، في ذلك الوقت، كان وزن المريض أكثر من 22 كيلو من وزنه الحالي، وبلغ مستوى الجلوكوز لديه أكثر من 300 ملليغرام/ديسيلتر، وعانى من اعتلال حاد في الشبكية. بعد اجراء العملية منذ سنة إلى الآن، لا يستخدم أي دواء، لا حبوب ولا أنسولين، بل إنه استعاد بصره.
يعتبر البروفيسور ألبير شيليك من أشهر الأطباء في العالم في عالج مرض السكر؛ فقبل أسبوعٍ فقط من مقابلتي له كان في جامعة أكسفورد في بريطانيا يلقي دروسا حول الأساليب الجديدة في عالج هذا الداء الفتاك.
شرح لي الدكتور درجات مرض السكري وطرق علاجها، فالنمط الثاني عبارة عن متلازمة مقاومة هرمونية، يكون الجسم في هذه الحالة يواصل إنتاج الأنسولين لكنه لا يقدر على استخدامه، ما يعني أن المشكلة اختلال توازن الوضع الهرموني، ويكون العالج بتغيير الجزء الأول والأخير من الأمعاء الدقيقة؛ فتنشط الهرمونات الجيدة التي تجعل الانسولين يعمل من جديد. أما النمط الأول من المرض وهو الأكثر تعقيدًا يكون الجسم فيها غير قادر على انتاج الأنسولين إطلاقًا، ليصبح المريض بذلك مدمّنًا على إبر أنسولين.
كان أمر عالج النمط الأول من داء السكري مجرد حلم بالنسبة للبروفيسور وفريقه الطبي، لكن بعد العديد من الاختبارات والدراسات التي أجريت مؤخرا، تزعم البروفيسور ألبير شيليك مشروعًا تركيًا ضخمًا يرتكز على تصاميم طبية دقيقة، تهدف إلى تطوير بنكرياس اصطناعي، ينتج الأنسولين البديل في جسم الإنسان، هذا المشروع الكبير يعمل عليه البروفيسور مع مهندسين وعلماء متخصصين في الخلايا والمناعة مع اختصاصين وعلماء مختبرات تجري التجارب على الحيوانات.
وعد البروفيسور أن الحلم سيتحول إلى حقيقة في غضون سنتين، وسيُطرح بشكل رسمي في تركيا والمنطقة كلها، وذلك بالرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجه المشروع، والتي تكمن أساسًا في رفض شركات الأدوية المحلية والعالمية ظهور عالج نهائي وتام لداء السكري لأسبابٍ تجاريةٍ محضة، تُغلف بتبريرات واهية كعدم استناد المشروع لأساس علمي.
غيرت جلستي مع البروفيسور ومرضاه، في ذلك اليوم، الكثير من أفكاري حول مرض السكري، وأكسبتني معلومات كثيرة، انضافت إلى سجل ما تعلمته من رحلتي إلى تركيا، معلومات طبية وصحية ونصائح ذهبية وفيرة، أكدت لي أن الصحة ثورة الإنسان العاقل، وأن الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه إلا المرضى.