خلال رحلتي في تركيا، قصدت ورشة لفن الإيبرو أو فن الرسم على الماء في مدينة إسطنبول. الإيبرو واحد من أجمل الفنون وأغربها، إنه الرسم على الماء بألوان خاصة يتم رشها وتشكيلها على السطح بحيث يمكن فيما بعد أخذ ذلك الرسم على ورق مرمري خاص.
يرجع أصل الكلمة للغة الفارسية وتعني سطح الماء، وقد عرفت هذا الفن شعوب عديدة منها فارس والهند والصين، لكنه بلغ أوجه في تركيا في عهد الدولة العثمانية، إذ دخل في مجال الفنون الإسلامية وتقاطع أحيانًا مع فن الخط العربي؛ فكوَّن تُحفًا تشهد لصانعيها بالإبداع والمهارة، كما أن لوحات الإيبرو اتخذت زينة للمنازل في ذلك الوقت.
كنت متحمسًا لمقابلة كوبي، الفنان المولع بالرسم على الماء؛ لأطرح عليه ما في جَعبتي من أسئلة حول هذا الفن العجيب. الشيء الأكثر غرابة في هذا الفن أن المواد المستخدمة فيه كلها مواد طبيعية؛ فعلى سبيل المثال الفُرش تصنع من شعر الحصان، كما أنه من الضروري أن يكون الحصان ذكرًا وليس أنثى، شاهدت بنفسي كيف تصنع هذه الفرش، تقنيات ومهارات عالية يتوفر عليها الفنان كوبي.
الألوان المستعملة في فن الإيبرو كلها ذات منشأ طبيعي، تستخرج من الصخور والنباتات؛ فمثلًا اللون الأصفر يستخلص من مادة الكبريت والأسود من الكربون وأكسيد الحديد وهكذا.. ولكنها غير قابلة للذوبان في الماء.
استمتعت بمشاهدة العديد من اللوحات الموجودة في الورشة، لوحات فنية متقنة تنم على قدرة إبداعية فائقة تغوي الناظر وتلهمه، لوحات للغيوم والطبيعة والورود، كلها ذات طابع يدوي. تركيز كبير يتمتع به فنانو الرسم المائي فعلى قدر التركيز والاندماج ينعكس ذلك على جمالية اللوحة الفنية، بمعنى أن الفنان يجب أن يتفاعل إحساسه مع الماء، لاحظت ذلك على فناني الورشة.يبدو أن إسطنبول مركزًا للعديد من الفنون والإبداعات، جمالية هذه المدينة لا تنتهي، كل يوم تبهرني بأسرارها، وإذا كان فن الرسم على الماء قد انتقل إلى الأجيال المتعاقبة منذ مئات السنين، فمن دون شك سينقله الفنانون أمثال كوبي إلى الأجيال اللاحقة.