في تاج ليك بالاس والمعروف بقصر البحيرة، استقبلني مرشد سياحي، وأجرينا حوارًا وثّقت به هذه الزيارة:
علي: مرحبًا بك، كيف حالك؟ هل هذا عملك؟
المرشد: نعم سيدي!
كان المرشد يحمل في يده مظلة، فسألته عن عمرها. وكانت الإجابة أنها قديمة جدًا منذ زمن “مهراج ومهراني”. بعدها طلبت من المرشدة الحديث عن حالة القصر، وكانت الإجابة أنه لم يخضع لعمليات ترميم كثيرة؛ فالأبواب نفسها لا تزال تحتفظ بزخارفها القديمة، ولا تزال تقاوم عوامل الزمن، وتحارب من أجل البقاء، الرخام هو نفسه منذ ذلك الوقت.
وقفت أمام مبنى جميل يمثل ثالث حضارات، في هذا الصرح الجميل تتجسد الحضارة الهندية، بما فيها من الفيلة وغيرها من الحيوانات، وللحضارة الإسلامية حضور قوي، وكذلك الحضارة المغولية رغم أنها تعد امتدادًا للحضارة الإسلامية. تصميم اللوحات والرسوم متأثر بالفن المصري والفارسي، وهو ما يؤكد انفتاح الهند على الثقافات الأخرى.
وهنا قال المرشد إن جميع الفنون “راج بوثية” استعملت أساسًا للدفاع، وإن هذا الفن هو تصميم شعبي قديم جدًا منتشر في المنطقة، يوجد في البوذية ستوبا ومستوحى من الصور النمطية للأسرة المالكة، ويزيد عمره عن 100 سنة تقريبًا. ولكنه يبدو رائعًا كأنه خُطَّ بمسطرة، بما في ذلك الأشياء التفصيلية الأخرى في هذا القصر، في الواقع لا تسعفني الكلمات للتعبير عن إحساسي بهذه الدقة العالية، وصدق من سماها فينيسيا الشرق؛ فالمكان خيالي جميل للغاية، وأتساءل كيف كانت حياة الناس هنا؟! الدقة مع الفخامة، الجمال مع الحفاظ على التاريخ، سر سحر هذا المكان الأخاذ؛ فهذا القصر يعد الأفخم والأجمل في إقليم راجستان. تبلغ مساحة القصر الإجمالية 2 كلم مربع، وتشمل جميع حدائقه، بني على امتداد أربعمئة سنة من قِبل واحد وعشرين “مهرانا” تتابعوا على حكمه، كل منهم أسهم بقدرٍ وأضاف تعديلات وفق لمسته الخاصة وحسه الفني؛ ليتركوا لمساتهم ويجددوا بناء القصر، أما أقدم جزء منه فبني سنة 1559م.
استمرت التحسينات والإضافات حتى أوائل القرن العشرين، يمتد “بلس” من الشمال إلى الجنوب، أما الآن فنصف القصر القديم تحول إلى متحف، والنصف الآخر تحوّل إلى فندقين يقيم بهما الماهارانا وهم شيفنيفاس، فات براكاش، شاموريفاس.
في سنة 1951، قامت الدولة الهندية، وقبلها بأربع سنوات فقط انتهت الملكيات كلها، وانتهى زمن المهراجا، لذلك اضطر المهرانا إلى نقل ملكياته كلها للحكومة، وخسر الكثير من الأموال، وقرر استثمار قصوره كلها استثمارًا صحيحًا؛ فأصبحت بعض هذه القصور متاحف وبعضها الآخر فنادق، هذه هي مملكة “ميوار”.