قصر نهار جارا
Ali Bin Towar Network
جولة للتعريف على المنطقة وإبراز تاريخها.

خلال تجوالي في الهند، التقيت بقائد (كوماندار) يدعى ”براتاب مهتا“، رحَّب بنا بحرارة وأجاب عن أسئلتنا بكل عفوية، وأعتقد أن هذا الحوار طريق مفيد للتعريف بالمنطقة وإبراز تاريخها، خصوصًا إذا كانت شهادة أحد أبنائها ممن يعرفون خباياها وأسرارها.
علي: أيها القائد براتاب مهتا، شكرًا جزيلًا لقبول دعوتنا واستضافتنا اليوم، ومن دواعي سروري أن أراكم وأتحدث إليكم. نسمع كثيرًا عن مهراجا الشمال والجنوب، هل لا تزال المهراجا موجودة إلى الآن؟
براتاب: لا، رسميًا لا يوجد مهراجا في الهند الآن، بعد الاستقلال سنة عام 1971 بثالث سنوات (1947)، أُلغِي لقب مهراجا في الهند، لذلك فإن الموجودين حاليًا هم حكام سابقون، هذا كل شيء.
علي: قلت لي إنك كنت القائد الأعلى في البحرية، وكنت طيارًا كذلك، وقدت طائرات الهليكوبتر. لقد قرأتُ عن تاريخ الهند، ولاحظت أنها خلال عشرة آلاف سنة لم تبدأ بالحرب أبدًا، حدثنا قليلًا عن الحروب في الهند؟
براتاب: من الجيد أنك سألتني هذا السؤال، أستطيع أن أحكي لك عن الحرب الأولى والأخيرة التي شاركت فيها، وهي حرب الهند مع الباكستان عام 1971، وكنت جزءًا من طاقم السفن كضابط شاب، لكن أسلافي شاركوا في العديد من المعارك لآلاف السنين فيما مضى.
علي: من خلال بحثي، علمت أن الهند بلدٌ مسالمٌ جدًا، ورأيت أن ثقافة الهند الحديثة مثيرة للاهتمام، بما في ذلك صناعة السينما ودورها في التجارة العالمية، والمشروعات العديدة في مجال التعليم عبر تعزيز مستوى المدارس والجامعات؛ لتخريج جيلٍ جديد من الكفاءات، في هذا الإطار -ومن وجهة نظرك- كيف ترى مستقبل الهند؟
براتاب: حسنًا! تغيرت الهند كثيرًا في الأعوام الماضية؛ فلم يعد يحكمها الملوك بل أصبح بلدًا ديمقراطيًا لديه حكومة منتخبة وممثلين للشعب في البرلمان، وهم من انتخبوا رئيس مجلس الوزراء، وهذا تحول جميل وضع الهند في طريق التقدم، لا سيَّما مع مساحة أكبر للحرية تتمتع بها البلاد حاليًا، قد لا تشهدها دول عديدة حول العالم، وعلى الصعيد العلمي تمكنت الهند من تحقيق طفرة تكنولوجية وعلمية في قطاعات الصحة والعلوم والهندسة المتقدمة، مقارنة بما شهدناه في الماضي؛ فالحكومة الجديدة عززت تحقيق المعرفة المتقدمة ممزوجة بالخبرة القديمة، وهذا يؤهلنا لتحقيق التطور المنشود للبلاد.
علي: تحتضن الهند مئات الأديان، ومئات الثقافات والطقوس، حتى إن هذا الاختلاف يظهر جليًا في أنواع الأطعمة والمأكولات، ما وجهة نظركم حول مسألة التنوع؟
براتاب: سؤال لطيف جدًا، الهند بلد ضخم جدًا، لذا تجد التنوع في كل جوانب الحياة، إلى درجة أنه مع كل كيلومتر في الهند تختلف ثقافة الأطعمة، وتختلف اللغة ويتباين الدين، وعلى الرغم من كل هذا التنوع، إلا أن لدينا كمًا هائلًا من الترابط داخل البلد نفسه، وهذا التنوع يجعل الحياة في الهند أكثر إثارة للاهتمام .
علي: لا سَّيما لشخص مثلك عمل في البحرية واعتاد الترحال.
براتاب: نعم! لقد كنت في البحرية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية إلى أن تقاعدت طواعية عام 1995، والحياة في البحرية رائعة جدًا؛ فقد منحتني فرصة قيادة العديد من السفن، وحظيت بفرصة قيادة سرب الهواء، وهذا ما هو إلا نوع آخر من أنواع التنوع الهندي.

علي: أنت قادم من عائلة تحظى باحترام كبير؛ فما رأيك في الفجوة الكبيرة الحاصلة بين طبقة الفقراء والأغنياء في الهند؟
براتاب: أود أن أقول إنني أؤمن بالرأسمالية ولا أؤمن بالاشتراكية، توجد المساواة في الرأسمالية، في حين أن الاشتراكية التي تقوم على توفير الغذاء للجانب الأفقر غير النافع للمجتمع لا تستهويني، لذا أؤمن بالرأسمالية إذ تتاح فرص عمل للفقراء، ومن ثَمَّ فإن الفقر هو نتاج الناس وليس بسبب الحكومة بذريعة أنها لا تفعل أي شيء؛ فالحكومة هنا تفعل الكثير لهذه الشريحة من المجتمع.
علي: لذا تعتقد أن الاختلاف الطبقي أمر صحي للمجتمع!
براتاب: بالتأكيد صحي للمجتمع، ولا بدَّ أن يتغير الناس بأنفسهم، وأن تمنح الفرص للجميع، وأن يُفتح المجال أمامهم للاستفادة من الفرص وكسب المال وتغيير أنماط الحياة، وهو الأمر الذي شهد تغيُّرًا بشكل كبير طيلة السنوات العشر الماضية.
علي: انتشرت العولمة في العالم بشكل كبير، وينظر كثيرون إليها على أنها مثل المرض الخطير، على أساس أن كوكبنا يفقد شخصيته تدريجيًا، هل فقدت الهند ثقافتها وطابعها؟
براتاب: على الإطلاق! وفي الواقع نتحدث عن العولمة اليوم ومنذ أجيال، ومن الطبيعي أن يتطور الجنس البشري مع الوقت، وهي سنة لن تتوقف أبدًا؛ فإذا نظرتم إليها في بلدكم على سبيل المثال، ستجد أن الثقافة تغيرت الآن عما كانت عليه منذ مئات السنين، ما أعنيه هو أن ما كانت عليه الثقافة قبل خمسمئة سنة، ليس هو نفسه اليوم، وفيما يتعلق بالثقافة الهندية القديمة وفترة الهند الفيدية، عندما نتحدث عن راما وكريشنا؛ فهناك اختلاف كبير في الثقافة، وعلى مدى هذه الفترة فإن التغيير مستمر، وهناك تداخلات لثقافات ديناميكية.
علي: لاحظت أن الجيل الجديد يميل أكثر للثقافة الحديثة، والشأن عينه في العديد من البلدان بما في ذلك الهند، وكثير من الناس يحاولون تقليد المجتمع الغربي متأثرين بالعولمة الجديدة.
براتاب: أعتقد أنه من الصحيح جدًا، كان علينا أن نبقى على اتصال مع تطورات العصر، وإذا كنا نبحث عن التنمية في مجتمعنا سواء على مستوى التعليم أو التطور العلمي؛ فعلينا أن نبقى على اتصال مع الذين هم على دراية، فعلى سبيل المثال عندما أفتح ذراعي للتواصل مع منطقتكم في الشرق الأوسط؛ فإني أتعلم من ثقافتها وكذلك بالنسبة لها قد تأخذ بعض الأشياء من ثقافتي، وهو الأمر الذي يخلق تطورًا جديدًا في الثقافة لكلّ منا، وهذا هو الفعل الطبيعي، وسوف يكون هناك دومًا، ولا يجب أن نحاول وقف تطور الثقافة التي هي على هذا النحو.
علي: هذه نظرية رائعة، وأشكركم شكرًا جزيلًا.
براتاب: شكرًا لك، وإنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم.