لغز مجموعة علي بابا
Ali Bin Towar Network
استطاعت الشركة تغيير حياة كثير من الناس.

خلال تجوالي في الصين، كرست وقت حاولت خلاله فهم خيوط لغز لفكرة عملاقة غيرت العالم، وأنتجت لنا شركة من أكبر خمس شركات في العالم، إنها مجموعة علي بابا. ركبت دراجتي في اتجاه مقر شركة جاك ما، وهو رئيس مجموعة علي بابا. لأعرف سبب نجاح شركته المبهر، إنها شركة عملاقة تستقبلك بجبروتها وهيبتها وحسن بنائها. دخلت إلى الشركة وكأنني داخل إمبراطورية قوية، كل أجزائها ومكوناتها متماسكة ومتضامنة. قلت لبعض موظفي الشركة إنه في 2016 بلغ عدد مستخدمي علي بابا 450 ألف شخص، وارتفع العدد إلى 900 ألف شخص في 2018، بينما استغرقت فيسبوك سبع سنين ليصبح لديها 100 مليون مستخدم، أما مجموعة علي بابا، فضاعفت الرقم في عامين فقط!

التقيت مديرة الموارد البشرية، وتدعى ”جايد“، قلت لها إن الكل يعمل بشغف وحب، والكل متحمس للعمل ثم سألتها: ماذا تقدم علي بابا لتحوز ولاء الموظفين؟
جايد: أعتقد أن ”جاك ما“ قد وضع هدفًا، وغالبية العاملين يؤيدون الهدف نفسه؛ إنه ”تاجر بكل سهولة“ وفي أي مكان.
قلت متعجبًا: تاجر بكل سهولة وفي أي مكان؟!
جايد: نعم!
قلت لها: صحيح! لقد رأيت العبارة ذاتها في تصريح الدخول، رسالة الشركة واضحة تمامًا.. أن تكون سهلة، وأن تكون في كل مكان، أن تصنع الأعمال الصغيرة في كل مكان في أنحاء العالم، في اعتقادي هم وصلوا إلى الرؤية بشكل واضح ومباشر.
قلت لها: إذن فلنتحدث عن جاك ما لقد كان معلمًا، معلم لغة إنجليزية.
جايد: أجل! أجل!
قلت: أما زال معلما من خالل علي بابا؟ لأننا نرى مبادئ عديدة، عندما مررت من هنا رأيت مبدأ ثلاث ساعات من التطوع السنوي، علي بابا بحد ذاتها، وغيرها من المبادئ، أخبريني عن مبادئ الشركة.
جايد: نظرًا لأن “جاك ما” معلم سابق؛ ففي علي بابا كثيرًا ما يسمي الزملاء بالطالب، كأننا في الحرم المدرسي، ولديه الكثير من الأعمال الخيرية، وأخبر الموظفين أن يتطوعوا لثالث ساعات سنويًا؛ لأنه يؤمن أن بتطوّع الجميع لثالث ساعات سنويًا؛ سيكون إجمالي الساعات كبير جدًا.

قلت: كم عدد موظفي علي بابا؟
جايد: لا أعرف العدد بالتحديد، لكن تقريبًا لدينا حوالي 70 أو 80 ألف موظف. أثارتني الفكرة، تخيلوا معي أن يخصص موظفو شركة -يبلغ عددهم حوالي 80 ألف موظف- ثلاث ساعات سنويًّا للأعمال الخيرية وخدمة المجتمع، كيف سيكون المردود والإنتاج في المنطقة وفي كل الصين.

حقًا إنها شركة أسست على زرع القيم قبل الربح المادي. قلت للمديرة إن الجو في الشركة لا يعطي انطباعًا أننا في شركة، نظرًا لوجود صالة رياضية، ومطعم كبير بجودة عالية، والعديد من المقاهي، بل بإمكاننا أن نرى مجمع تسوق، وفي الوقت نفسه تقدمون للعملاء خدمة ذات جودة عالية، ما دوافع ذلك؟
جايد: قال “جاك ما” نحن نعمل بسعادة؛ فنحن لا نعمل فقط، بل نأخذ أوقاتًا للراحة وشرب القهوة والرياضة؛ لجعل حياة الموظفين أكثر سعادة، وذلك لأن عدد ساعات عملهم طويلة جدًا فنأخذ راحة مع أصدقائنا.
قلت: أخبريني عن العاشر من مايو؟
جايد: إنه يوم مهم لشركة علي بابا، منذ 2013 نقيم حفل زفاف جماعي في هذا اليوم، ويشرف جاك ما على زواج 102 ثنائي.
قلت متعجبًّا: هل الأزواج من موظفي علي بابا؟
جايد: على الأقل يجب أن يكون هناك زوج وزوجة من الشركة.
قلت لها مازحًا: على الناس أن يدفعوا للعمل هنا لأن البيئة استثنائية. في العاشر من مايو من كل عام، تتكفل “علي بابا” بتزويج موظفيها الراغبين في الزواج، يعقد الاحتفال في الحديقة الخارجية لمبنى الشركة، إنها فكرة رائعة من جاك ما” لجعل هذا اليوم “يوم العائلة” المفتوح، فتحضر عائلات الموظفين للمشاركة في هذا “المهرجان” لإيمان “جاك ما” أن الإنسان يحتاج إلى الراحة والترفيه، ومن حقه أن يحظى بوقتٍ مريح؛ لأنه إنسان وليس آلة، ومع كل ذلك يقودون إحدى أسرع شركات العالم.

التقيت أحد المسؤولين في شركة “علي بابا” لأعرف المزيد عن هذه الشركة العملاقة، وقلت له: ينظر الجميع للصين على أنها مصنع العالم، تصنع منتجات عديدة، ويقال إن علي بابا أسست في وقت محوري؛ لأنها توصل المنتجات إلى جميع أنحاء العالم؛ ما رأيك؟
المسؤول: ظهرت منصات عالمية كثيرة، ومنصات أكثر تطورًا منها “تي مول”، كلها معنية بتسيير التجارة في أنحاء العالم، لكنني أعتقد أننا معنيون بالصين، وما تحققه من ثروات ونجاحات وطموح، واللهفة لتجربة المنتجات والخبرات من جميع أنحاء العالم وما يصب في صالحنا كما في أستراليا ونيوزلندا.
قلت: لنتحدث عن أستراليا ونيوزلندا، لا جدال في أن علي بابا قد غيرت حياة الكثيرين في الصين، لكن رؤية تأثيرها في الجانب الآخر من العالم مثلًا في نيوزلندا وأستراليا وأوروبا، ما انطباع هذه البلدان عن علي بابا؟
المسؤول: ترتبط نيوزلندا وأستراليا مع الصين بعلاقات تجارية وثيقة، وفي “تي مول” العالمية بالتحديد نسهِّل السبيل في الصين لنربط المشتري بالبائع. نثبت وسائط رقمية تحكي قصة ورحلة العلامة التجارية، وتتيح للمستهلك الصيني تجربة منتج أسترالي ونيوزلندي أصلي، لذا فالمستهلك الصيني على ثقةٍ تامة أن المنتج أصلي من المصدر لم يتعرض للتلاعب، وأنه آمن بالفعل، وهذا أمر مهم للجانب الاسترالي والنيوزلندي؛ فالربح يأتي من سالمة المنتج.
قلت: إن طلبت منتجات علي بابا وحصلت على نسخ مقلدة، فلن أتعامل مع الشركة مرة أخرى، وستخسر المنصة ثقتي؛ فكيف تتعاملون مع هذا التحدي؟
أجاب: إن اطلعت على الأخبار مثل وال ستريت جورنال وأي من الجرائد العالمية ترى أن “علي بابا” تحارب عمليات النصب بجدية كبيرة، أعتقد أن هيئة المحلفين في علي بابا تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، ونحن نعمل من كثب مع الشرطة الصينية.
قلت له: نرى اليوم شركتين عملاقتين؛ علي بابا وأمازون تتنافسان، فما الفرق بين الشركتين؟
المسؤول: جغرافيًا أعتقد أن أمازون وعلي بابا لهما أهداف مختلفة، كلاهما متشابهتان لأنهما أحدثا ثورة في الشركات الإلكترونية، أعتقد هناك ما يكفي من المستهلكين في العالم لكل من أمازون وعلي بابا، كلاهما مبتكرتان لكن في الواقع وعلى أسس يومية، نحن لا نتشارك الرؤى نفسها.
قلت: لكن هناك تنافس على الأسواق العالمية كالسوق الأوروبي والأمريكي الشمالي، كلاهما أهداف مهمة للشركتين، أتجرؤ علي بابا على منافسة أمازون في تلك الساحة؟
مسؤول: كلاهما يلعبان بذكاء، تابع كل من “جاك” و”جو” و”دانيال” مثلًا، هناك تطور على المدى الطويل. لدينا استثمارات في أمريكا الشمالية وبعض التكنولوجيا وبعض سلاسل الإمداد، ونبني هياكل أساسية لوجستية لتخدمنا داخل الصين وخارجه، لذا قد نبني مخازن في بعض الأماكن التي تبني فيها أمازون مخازنها، بينما توجهنا معاكس تمامًا.
قلت: احتلت علي بابا المرتبة الثامنة في عام 2016، والخامسة في 2018 عالميًا، هل هو نجاح مؤقت؟ وإلى أين تتجه علي بابا؟ ما مستقبلها وطموحها؟
المسؤول: حققت علي بابا نجاحًا باهرًا في وقت قصير، لكن ما يهمنا هو المستقبل وليس التذبذب اليومي للأسواق، وإن أطلق الناس عليها اسم نجاح مؤقت، ما يهمنا هو جعل التجارة سهلة وحسب.

مما لا شك فيه أن علي بابا غيرت القطاع الصناعي بشكل كبير، لكنهم لم يكتفوا بذلك، بل أسهموا في تغيير القطاع المالي. انتقلت بعدها إلى قسم آخر في الشركة لمحاورة مديرها المالي، وقلت له إن قطر تلعب دورًا مهمًا في المنطقة، وتستخدم دومًا أحدث التكنولوجيا، هل تفكرون أن تكون قطر حاضنة شركتكم في المنطقة؟ أترغبون في التعاون مع قطر؟ أعتقد أن هيئة المحلفين في علي بابا تأخذ هذا الأمر على محمل الجد.
المدير المالي: نحن مهتمون جدًا بقطر؛ لأن لدينا بالفعل مشاريع مشتركة مع شركاء محليين في تسع دول ومناطق حول العالم؛ لتطوير مشاريعهم المحلية باستخدام تطبيق “والتس” ولخدمة العمالء المحليين.
سألته: متى سنرى علي بابا في قطر؟
المدير المالي: سيتحقق ذلك في المستقبل القريب.
قلت له: إن شاء الله!
قلت: إن ثروة الشركة قدرت في عام 2014 بحوالي 4 مليارات دولار أمريكي، وفي عام 2018 بلغت حوالي 150 مليار دولار أمريكي، تتقدمون بخطى سريعة نحو المستقبل، ما رؤيتكم للشركة؟
المدير المالي: نحن لا نهتم كثيرا لقيمة المعاملات، لقد أعطانا “جاك ما” رؤية استراتيجية بأن يحظى % 80 من الأشخاص في المجتمع من الذين ليست خدمات مالية جيدة بفرص الحصول على خدمات مالية جيدة، نعمل جاهدين لتحقيق تلك الرؤية المستقبلية.
قلت: اختراق أنظمة العديد من الشركات حول العالم بالإضافة للمنظمات، بل وحتى حكومات الدول المتقدمة تم اختراق أنظمة معلوماتها، أنا مثلًا تم اختراق بريدي الإلكتروني قبل عام، وكذلك الأمر بالنسبة للناس في كل مناطق العالم؛ فمن الطبيعي أن يقلق الناس على أمان بياناتهم وأنتم تروجون لاستخدام النقود على المنصات الافتراضية كيف تعد ذلك منطقيا؟ وكيف ستضمنون للمستخدمين أن هذه المنصات آمنة؟
المدير المالي: يمكننا تتبع أي نشاط على الإنترنت وضبط المخاطر المحتملة، لأن هدفنا حل المشاكل باستخدام التكنولوجيا، الاستثمار التكنولوجي مهم لشركتنا، ثلث التقنيين في شركتنا يعملون على الأمان الإلكتروني، وفيهم خبراء عالميون يعملون على ذلك. وإجمالًا، ومن منظور سنوات عديدة من التنمية، يمكننا ضمان أمان الإنترنت، أما احتمالية فقدان أحد عملائنا؛ فال تتعدى خمسة في المليون، إنها نسبة ضئيلة جدًا.
قلت: أشكرك شكرًا جزيلًا.

خرجت من المبنى وأنا أحمل كتابًا فريدًا، أعطانيه الرئيس التنفيذي للقطاع المالي، كتاب لا يذكر تفاصيل العمل بالشركة أو أرقام معاملاتها، بل يتحدث عن حياة الناس، وكيف استطاعت الشركة تغيير حياة كثير منهم بشكل كبير.

عنوان الكتاب “للناس الذين يعيشون الحياة على الاحترام، ويحاول الكتاب أن يشرح للقارئ أخالق الشركة وقيمها قبل أن تكون شركة ربحية. من قال إن التجارة أرباح فقط وتكدس البضائع المحتكرة في ملاذات سرية، أليس من الممكن حراسة الأرباح بالقيم والبضائع بالأخلاق.