
المساجد معالم دالة على قوة الإسلام وحضوره في أي مجتمع، وفي الهند مساجد بناها مسلمو الهند، إنها دليل على مدى تجذُّر الإسلام، وارتباط مسلمي الهند به وحفاظهم على شعائره. زرت أكبر مسجد في الهند قاطبة، التحفة المعمارية التاريخية الجميلة “مسجد جامع “، ويطلق عليه اسم مسجد الجمعة، إشارة إلى صالة الجمعة، ويقع في بداية طريق شاور بازار، الشارع المزدحم جدًا وسط دلهي القديمة.
بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان عام 1644 م، وأصبح القاعدة الدينية الأساس لحكم إمبراطورية المغول، يتسع لحوالي 25 ألف مصلي؛ إنه المسجد الأكبر في الهند كلِّها. بعد ثورة 1857 م، صادرت بريطانيا المسجد، وتمركزت به بعض قواتها، وفكرت جديًّا أن تهدمه، لكنها تراجعت خوفًا من تأزُّم الوضع. يحتوي المسجد على ثالث بوابات، ويتوسطه فناء فسيح، تقع به بركة ماء للوضوء، ويتضمن تصميمه ثلاث قباب على الطراز المغولي الإسلامي، وله منارتان بديعتان، وبالقرب من البوابة الشمالية عدة قطع أثرية، ورأيت به نسخةً من القرآن الكريم مكتوبة على جلد الغزال. وتساءلت نفسي: كيف كانت الحياة هنا؟ وكيف كانت جمعة المصلين؟ نظرت إلى مكان الوضوء وإلى القبة،
متأمّلًا هندسة المبنى الجميل، كأنّي أتخيل خروج الامبراطور المغولي وحاشيته للمسجد من الحصن الأحمر، وكان قريبًا من المسجد، وقلعة المغول الرئيسة وقتها. أراه يُقبل من الحصن الأحمر إلى المسجد؛ لأداء صالة الجمعة بكل هيبةٍ وتواضع.
خرجت من المسجد قاصدًا الحي العتيق، يُلاصق للمسجد مباشرة ويسمونه دلهي القديمة، عمره 500 سنة تقريبًا، به عدد من المحلات التجارية والأزقة الضيقة، لم تصمم للسيارات، إنما لمرور الخيول والعربات. أجواء غريبة ومتمايزة؛ فالأسواق صغيرة ضيقة، والناس تبيع وتشتري، تعيش يومها في السوق، حياتها بشكلٍ مريح وتلقائي، بالرغم من الازدحام الشديد ودرجة الحرارة المرتفعة.