
في القرن السابع الميلادي، ومع دخولهم الهند للمرة الأولى، بنى المسلمون مسجد شيرمان جمعة في ولاية كيرلا؛ لغرض العبادة والتجمعات الدينية، ومنه شعَّ نور الإسلام وعمَّ المنطقة برمتها. أسهمت أخالق المسلمين ومعاملتهم الطيبة في انتشار الإسلام سريعًا، ولمس الهنود في الإسلام عدالة وفضائل لم يقفوا عليها قبلًا، حتى تطوَّر الأمر وصار للمسلمين حضور كبير، ومراكز شملت مختلف المجالات كالقضاء والتجارة.
ربطت التجارة بين العرب والمسلمين بالهند، وأسهمت في توطيد العلاقة بفضل القوافل التجارية، وتتابع مرور التجار عبر الموانئ الهندية، ما أدى لاختلاط المسلمين مع السكان المحليين، وانتشر الإسلام في ساحل الهند الغربي أولًا، ثم اتسعت رقعته. صدفة جميلة أن أتعرف على أول مسجد خارج شبه الجزيرة العربية، عمر هذا المبنى يرجع إلى آلاف السنين، وقيل إنه كان معبد قبل أن يتحول إلى مسجد.
قصته جدًا مميزة، فقيل إن شيرمان برميل، ملك إحدى القبائل الهندية وتدعى شيرا, قد رأى في منامه أن قمرًا انقسم إلى نصفين في الأفق؛ فاستدعى المنجمين آنذاك لتفسير الرؤية، لكن تجارًا من الجزيرة العربية أقنعوه بتفسيرهم، قالوا له إنها معجزة وإن الرؤية تشير إلى ظهور النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في الجزيرة العربية، وذهب برميل إلى الأراضي المقدسة، وهناك اعتنق الإسلام، ويقال إن ذلك جرى على يد الرسول الكريم؛ فغير اسمه إلى تاج الدين.
في رواية أخرى أنه غير اسمه إلى عبد الله سمردي، وقضى عدة سنوات في مكة المكرمة، ومرض في طريق عودته إلى بالده، ومات في سلطنة عمان، وقيل إنه كتب وصية أمر فيها ببناء مسجد في بلدته؛ لينفذ التابعي الجليل مالك بن دينار الوصية ويبني المسجد.
من أمام أول مسجد في كلّ الهند والسند، استحضرت إنجاز الدبلوماسية الإسلامية ونجاحها في فتح القلوب قبل الأمصار، من دون حروب ولا فيلة، وتمكُّنها من بناء أول مسجد في شبه القارة الهندية، ونشر الإسلام دون إراقة قطرة دم.
بعد بناء المسجد، انتشر الإسلام بشكل كبير من قبل حاشيته في مملكة جيرمان ونقلوا، رسالة الإسلام في بعض مناطق الهند قبل وصول محمد القاسم الثقفي في سنة 92 للهجرة. تبقى هذه روايات يتداولها أهل المنطقة، وشهد المسجد عدة تغيُّرات في معماره، منذ إنشائه في السنة الخامسة للهجرة. التقيت قَيِّمَ المسجد، اسمه سرَّاف؛ ودار بيننا هذا الحوار:
علي: سرَاف! من الشيق جدًا الحديث عن بداية وصول الإسلام إلى الهند، متى بُنِي هذا المسجد؟
سراف: بُنِي المسجد في السنة السابعة للهجرة (629 م)؛ لأنه يُعتقَد أن عمره 1370 عام تقريبًا، وأعيد بناؤه في القرن الحادي عشر الميلادي؛ ليستوعب مزيدًا من المصلين، ولا يزال يحتفظ بمصابيح زيتية يعود تاريخها إلى ألف سنة تقريبًا.
علي: أخبرتني أن الإسلام وصل الهند قبل سنة 96 هجرية (715 م) علي يد قاسم الثقفي الأموي، لذلك كان الإسلام موجودًا قبل ذلك التاريخ، صحيح؟
سراف: نعم، هذا صحيح؛ فالقرآن تحدَّث عن انشقاق القمر نصفين، ولقد رأى الحاكم تلك الحادثة في منامه واندهش، ثم فتح الله صدره للإسلام.
انتشر الإسلام عبر رحلات السفن التجارية القادمة إلى الهند، وبواسطة تجار سلكوا طريق الحرير أيضًا، كانوا يجلبون الذهب إلى مكان أظنه يبعد عن هنا نصف كيلومتر فقط، ويأخذون التوابل والفلفل الأسود إلى بلادهم. إنه لأمرٌ مميزٌ جدًا أن تكون كيرلا آمنت ودخلت الإسلام في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم محققةً السَّبقَ والإيمان الطوعي، بمبادرة من حاكم سارع إلى الإذعان للحق، واعتنق الإسلام برؤيا رآها، هذا مدهشٌ حقًا.
حقيقة، توجد آراء كثيرة حول طريقة وتاريخ انتشار الإسلام، ويمكن ملاحظة حجم انتشار الإسلام في المنطقة برمتها، لكن تبقى الحقيقة المؤكدة أن الإسلام انطلق من كيرلا. تشتعل حروب وصراعات بين القبائل والشعوب، كل طرف يسعى للسيطرة على أرض، أو منفذ، أو معبر، أو على وطن وشعب، المحرِّك والمحرِّض منافع الدنيا وخيرات الأوطان، وتحاول بعض الأمم فرض عقائدها على غيرها.
في أحايين كثيرة -أيضًا- تنشب معارك وصراعات، ويتحارب الإخوة فيما بينهم من أجل معتقد سياسي أو ديني. عانت شبه القارة الهندية الويلات جراء هذه صراعات وغزوات أجنبية سارعت إلى السيطرة على خيراتها وأرضها، وتسابقت على احتلالها وطمس هويتها، ودارت معارك بين مختلف القوى العالمية على هذه الأرض التي نؤرخ لها اليوم.