
رحلتي إلى شلالات إيغوازو، باختصار..
قبل طلوع الفجر في البرازيل، أًي في الساعة الرابعة صباحاً، توجهت إلى مطار ريو دي جانيرو متحمسا للمكان الذي سأذهب إليه. وعندما دخلت الطائرة، وضعت أًمتعتي وجلست مستعدا للتحليق فوق غابات البرازيل. بدأنا الطيران ويالجمال ما رأيت، حيث كانت أشعة الشمس تلقي تحيتها الصباحية على الغابات وتشرق بشكل يخفق الوجدان ويُمتع الأنظار.
وصلنا إلى وجهتنا المطلوبة، وهبطت الطائرة وسط الغابات بين حدود البرازيل والباراغواي والأرجنتين، وتحديدا في مدينة ڤوز دي إيغوازو. فرحلتي اليوم إلى شلالات إيغوازو، أجمل وأكبر الشلالات في العالم، لكن لًيس أطولها، لأن شللات آنجل الموجودة في فنزويلا هي الأطول في العالم.
خرجت من المطار واستنشقت الأوكسجين الناتج من الأدغال مع رذاذ نهري برانا و إيغوازو، ولشدة حماسي، قررت عدم الذهاب إلى الفندق والبدء فوراً باكتشاف مدينة ڤوز دي إيغوازو، فهي مدينة التنوع الطبيعي حيث الشلالات الأجمل والأضخم في العالم ومركز التقاء الأنهار و وجود بعض الكائنات الحية المهددة بالانقراض. وهي مدينة التنوع الجغرافي، ففيها المثلث الحدودي بين الأرجنتين والباراغواي والبرازيل، حيث تتشارك النهر والشلالات، وفيها التنوع البشري حيث تختلط الأعراق والأديان والجنسيات.
أول محطة لي هنا كانت عند أكبر مولد للطاقة وواحد من أكبر السدود في العالم، حيث يشعر الإنسان فيه بعظمة الهندسة والإنجاز البشري، إنه سد إيتايبو، حيث يبلغ طًوله (7700) مترا وارتفاعه (196) مترا، وهو يُنتج ربع طاقة البرازيل وكل طاقة الباراغواي لأنه يقع على نهر البارانا، على الحدود بين البرازيل والباراغواي. وصلت تكلفة بنائه نحو (20) مليار دولار، حيث عمل فيه أكثر من (30) ألف شخص منذ السبعينيات وعلى مدار (9) سنوات، وفيه (20) محركا لإنتاج الكهرباء بواسطة المياه.
إن سد إيتايبو هو أكبر إثبات ودليل أن الإنسان والعقل البشري هو أعظم نعمة أنعم الله علينا بها، فسبحان الخالق الذي خلق عقولنا التي صنعت مكانا مثل هذا.
من بعد أحد أعظم هندسة بشرية في العالم، توجهت إلى المثلث الحدودي الذي يصل البرازيل بالباراغواي والأرجنتين ويسمى المثلث الذهبي، وهو نقطة التقاء نهري إيغوازو وبارانا، ويصل جسر معروف بجسر الصداقة بين أطراف هذا المثلث المشترك. كان يُعرف هذا المكان من بين أجمل المناطق السياحية في البرازيل قبل فصل هذه المنطقة عن بعضها. ويتمركز السكان الأصليون حول الشلالات فهم رفضوا البقاء في بلدان المثلث وأصروا على أن يكونوا حراسا للشلالات بدل الانتماء للبلدان الثلاثة.
عجائب وغرائب عالمنا الجميل جعلني رغم يومي الطويل وقلة نومي أرغب بالاكتشاف أكثر وأكثر في هذا المكان الفريد من نوعه، فوجدت رجل كبيرا في السن وبيده مسبحة، فاقتربت منه وحاولت التعرف عليه. وتبين من خلال حديثي معه أنه عربي مغترب من أصول لبنانية وقد أخبرني أن مدينة ڤوز دي إيغوازو هي إحدى أكبر المدن في أمريكا اللاتينية التي يوجد فيها جالية عربية بهذا العدد، حيث وصل عددهم إلى حوالي (40) ألف عائلة هاجرت إلى هذا المكان عبر سنوات مضت، فمنهم من جاء بسبب الحروب والسياسة التي تعيشها البلدان العربية، ومنهم من جاء من أجل تغيير أوضاعهم الاجتماعية وتحسين أحوالهم المادية.
عدد اللبنانيين في البرازيل يصل إلى ثمانية ملايين لبناني، وهو ضعف عددهم في بلدهم، وأوضاعهم هنا جيدة جداً ولهم نفوذ سياسي كبير، فكثير منهم استلم مناصب سياسية مثل باولو معلوف، عمدة ساو باولو، مرتين ورجل أعمال شهير في البرازيل، وميشال تامر، رئيس البرازيل، بالإضافة إلى العديد من اللبنانيين والعرب الذين شغلوا مناصب سياسية وأكاديمية وفنية رفيعة في البرازيل، فالجالية العربية هنا ضخمة جدا حيث تضاهي أعدادها سكان العديد من البلدان التي أتوا منها، فهجرتهم بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، وتركزت في البداية في مدينة ساو باولو وبعدها انتشرت في بقية المدن البرازيلية، ثم اختلطوا بنسيج المجتمع البرازيلي وأثروا فيه أيضا.