
تحتل الرياضة مكانةً مهمة في ثقافات الشعوب، ومعظم الألعاب الشهيرة اليوم تعود إلى عصور قديمة. ويُصنَّف الــ ”كالاريباياتو“ واحداً من أبرز فنون القتال الهندية القديمة، وهو يعتمد على العنف المفرط، وتستخدم فيه أسلحة حادة مثل السيوف، أما حركاته فمستوحاة من الطبيعة وحركات الحيوانات، وقد ظهر أول مرة في كيرلا، ويعد الأب الشرعي لكلّ الفنون القتالية التي ظهرت في ما بعد.
كنت أعرف أن القتال مهم في الثقافتين اليابانية والصينية، ولكن لم أسمع الكثير عن القتال في الثقافة الهندية، لذلك توجهت إلى قاعة رياضية قديمة، مخصصة لهذه الرياضة المتوارَثة منذ القدم، ويقال إن أول من تعلمها ومارسها فرقة كانت تحمي الملوك.
ترجع الفنون القتالية الهندية إلى أكثر من 6000 سنة، إبان عهد الملك ”آكلوري“، وكان يختار أشخاصًا معيَّنين، ويعلمهم الحركات القتالية الغريبة المستوحاة من الطبيعة نفسها. ولأحظى بفرصة التعرف على طقوس هذا الفن، قابلت مدربًا متمرِّسًا وتحدثت إليه:
علي: أرى أنّك تتمرّن، من الشَّيقِ مشاهدة ذلك، حدثني عن هذه الرياضة؟
المدرب: هذه اللعبة تسمي ”محارب كولتي“، نسبة إلى مكان في جبل يسمي كولتي، وهي تمارَس تحت مستوى سطح الأرض بستة أقدام، وتعتمد على بعض الحيل.
علي: كم ساعة تتمرن؟
المدرب: أتمرن تقريبًا ساعة ونصف يوميًا.
علي: ذكرت أنها طريقة للعيش والتحكم في الروح والجسد، كيف ذلك؟
المدرب: إنها مثل العادة، تستيقظ صباحًا تمشِّط شعرك مثلًا، ثم يتبع التمرين اليومي النهج ذاته، وكذلك يتم التحكم في العواطف والأعصاب، والسيطرة على خلايا الجسم والدم، إنها طريقة مناسبة لضبط كل شيءٍ تقريبًا.
علي: ماذا عن التحكُّم في النفس؟
المدرب: ليس سهلًا، لكنَّ التَّمرين يذلِّل الصِّعاب، ويجعلها مثل التحكُّم في حركة الجفْن، وهذا يستلزم سنوات من التَّفاني في التدريب، قبل أن تتقن أداءها وتستجمع أدواتها.
تعلمت في الهند الكثير، وأيقنت أن الزائـر هنا يعيد الكـرَّة مـرات عديدة، لأنهـا تفتـن كل مـن تطـأ قدمـاه أرضهـا الزاهية، هذه جِبِلَّة الهند المتفردة، بلـد السـياحة المتميزة، والبسـاطة الأخّـاذة. وشعب الهند شـعب متعايـش ومتعـاون، كما يجيـد فـن التعامـل مـع السياح، تسـأل عـن اتجـاه فيتجمـع عشـرة أشخاص للإجابـة، تطلـب التصويـر فيظهـر أمامـك عشـرة يعرضـون خدماتهـم عليك، وسـتجد العديـد منهـم يطلبـون التصوير معك من دون سـابق معرفة.
والأمر الجميـل أيضـا، الـذى سـتتعجب لـه، هو شـعورك الـذي يصاحبـك كلمـا نظـر نحـوك المحيطـون بـك بدافـع الفضول، وذلك لمجـرد أن شـكلك مختلـف عـن الهنـود، ومحاولتهم فهـم كلامـك، والتعـرف علـى أصلـك وجـذورك وثقافتـك.
لا شـك أن الهنـد -دولـة وحضـارة- تتميـز بالعديـد مـن المظاهـر الجماليـة والفنيـة السـاحرة، ولا شـك أن زيارتـي لها كانت قصيـرة، إلا أن الصـورة لـن تكتمـل لـك -أيهـا القـارئ الكريـم- إلا بزيـارة هـذا البلـد الجميـل، بلـد التنوع الثقافي، والطبيعة الخلابة، والقصص السـاحرة.