
خلال ترحالي في كوبا اللاتينية، قابلت سيدة تدعى سعيدة، وكانت تعمل في مقهى متواضع لأكثر من ٨ ساعات في اليوم، وبراتب شهري يقدر بــ ١٤ دولا فقط. هي كذا الحياة هنا! اقتربت من المرأة، وتبادلت معها أطراف الحديث، ولم اصدق ما قالته لي. إذ تبين أن راتبها يكفيها لبضعة أسابيع، وتحاول توفيره ليكفيها شهرا كامل، علما بأنها تتبضع كثيرا، وهذا ما كان يشكل هاجسا بالنسبة لها.
سألتها عن معدل التكلفة لتبضعها، فكانت الإجابة: ”مرتان في السنة الواحدة، فأنا أدخر دولاران في كل شهر لكي اتبضع مع نهاية كل ستة شهور“.
وهنا تعجبت وسألتها: ”وماذا تتبضعين!؟“ فقالت: ”أقوم بشراء أقمشة وتقوم اختي بخياطتها“. قلت: ”وهل يكفيك المبلغ!؟“ قالت: ”نعم، فقطعة القماش تعادل ٨ دولارات فقط و٤ دولارات اشتري فيها حذاء لطفلتي“. سألتها: ”وهل أنتي راضية أو هل تطمحين لدخل أفضل؟!“
كان ردها مثيرا للإعجاب، واندهشت جدا من مدى رضاها على حالها، وقالت لي: ”أنا وزوجي واطفالنا لدينا أكثر مما نحتاجه، فنحنُ نزرع ونصطاد ما يكفينا للعيش، وبالقرب من منزلنا بئر ماء، وبرواتبنا نشتري البهارات والملح والسكر، فنحنُ لسنا بحاجة ماسه للعمل لكي نعيش. يعمل زوجي لقضاء الوقت والانشغال. يعمل فقط لكي لا يشعر بالفراغ بعد صيده للسمك!“
هنا استذكرت أن من يرضا، يعيش. وسبحان من زرع الرضى عند الفقراء!
يشعر كثيرا من الفقراء بالسعادة أكثير من الأغنياء وأصحاب المليارات، فهم لن ينتهوا ابدآ في بناء إمبراطوراتهم ولن يرضوا برقم محدد. ومع انشغالهم في جمع وبناء المملكات، ينسون متعة الحياة الحقيقية. بالنسبة للفقراء، المال هو وسيله فقط، ولكن عند الأثرياء غاية. فكم فرّقَ المال من الأحبة والأخوة والعائلات المترابطة، كون تعريف المال اختلف من كونه وسيلة إلى غاية.