
عندما تذكر السياحة في تركيا، فأول مدينة تخطر على البال هي أنطاليا الجميلة، المدينة الفريدة من نوعها الواقعة في جنوب تركيا، والتي يجتمع فيها المناخ المعتدل والتاريخ العريق، ناهيك بالتنوع الطبيعي الذي يتمثل في التضاريس الجغرافية المختلفة والغابات الكثيفة ذات الخضار المذهل، وكذلك ساحل المدينة المطل على البحر الأبيض المتوسط، كل هذا يجعلها مدينة متكاملة ذهبية.
ففي سنة 2014 وحدها، زار أنطاليا حوالى 12 مليون سائح أجنبي، معظمهم من روسيا وألمانيا وهولندا وانكلترا، وهذا من دون شك رقم ضخم، يكشف من جهة عن الدور المالي الكبير الذي تلعبه أنطاليا في دعم السياحة التركية وتوفر البنية التحتية اللازمة لذلك، ومن جهة أخرى مدى الإقبال الكبير على مدينة أنطاليا كونها تتوفر فيها مميزات استثنائية لا توجد في غيرها من المدن التركية.
قبل رحلتي إلى مدينة أنطاليا، وعندما تذكر تركيا، تتبادر إلى ذهني الآثار التاريخية الشاهدة على عظمة الحضارات المتعاقبة، أو الفلكلور المتنوع من أزياء تقليدية ومطبخ وفنون أخرى، لم أكن أتخيل أن يكون جمال الطبيعة الخلابة في مدينة أنطاليا قد يصل إلى هذا الحد.
ركبت قارب التجذيف مع سبعة أشخاص آخرين، وقبل انطلاق الرحلة الممتعة، ارتدينا سترة نجاة وخوذة حماية، وتم تعريفنا بتعليمات السالمة وكيفية التجذيف بطريقة صحيحة. كانت رحلة شيقة بحق؛ فقطرات المياه المنعشة التي ترتطم بجسم الإنسان كلما هوى الطوف، والمناظر المبهرة التي مررنا عبرها كلها جعلتني أشعر بالمعنى الحقيقي للترفيه.
بعد رحلة الطوف والتي كان عنوانها التشويق والمغامرة والإثارة، قررت أن أدخل إلى أعمق غابات أنطاليا، لم يكن الأمر ليتم بركوب دراجتي الهوائية أو حتى سيارة عادية. أخذت دراجة رباعية الدفع لأصل إلى مناطق جميلة، خصوصًا أن فصل الربيع كان في أوجه، نسيم عليل وسماء زرقاء صافية وأشجار شاهقة، وورود مختلفة الألوان والأشكال، وكأنني داخل لوحة فنية لا متناهية.
واستمرارًا في رحلتي الشيقة لاكتشاف مزيد من سحر وجمال جغرافية مدينة أنطاليا، أخذت التلفريك متجها نحو جبال تاهلي، والتي تعتبر من أندر القمم الجبلية في تركيا بل والعالم، فهذا المكان الساحر يتيح للإنسان أن يسبح في البحر المتوسط مستمتعًا بشمس حارة، وبعد عشر دقائق، وعبر التلفريك يمكن أن يصعد إلى قمم جبلية ويمارس رياضة التزلج ويستمتع ببياض الثلوج ومنظرها الخالب.
تعج مدينة أنطاليا والقرى المحيطة بها بالكثير من الآثار الرومانية والبيزنطية؛ فالموقع الاستراتيجي للمدينة جعلها دائمًا مركزًا تجاريًا وسياسيًا وعسكريًا مهمًا عبر التاريخ، أكثر ما أبهرني من هذه الآثار التاريخية القالع التي ما زالت شاهدة على عظمة وقوة الدول التي حكمت البحر المتوسط.
تجولت في وسط المدينة وانبهرت بمدى تنوع المنتجات الثقافية الموجودة من أزياء تقليدية وأكلات متنوعة شهية، لم أكن لأفوِّت فرصة تذوق البوظة التركية المشهورة. توجهت نحو بائع البوظة في أحد المحلات، أعجبني لبسه التقليدي التركي الجميل، وطربوشه الأحمر فاقع اللون، طلبت من نوع الفانيلا، كان الرجل بشوشًا ومرحًا، انبهرت بإجادته للغة الإنجليزية، ربما هذا عائد إلى تعامله الكبير مع السياح! ما يميز بائع البوظة تلك الحركات الخفيفة السحرية التي يقوم بها، مع بعض الكلمات السريعة والتي تضفي نوعًا من المرح والسرور على المشتري، فال يصبح الأمر مجرد بوظة عادية، بل تتحول عملية الشراء إلى مزاحٍ جميل.
كانت رحلتي إلى مدينة أنطاليا وما يحيط بها من قرى فريدةً من نوعها، استغربت في بداية الأمر من عدد السياح الهائل المنتشر في أرجاء المدينة، لكن كلما اكتشفت معلمًا أثريا أو جانبًا من جوانب جغرافيتها المتنوعة، أو حتى ثقافتها الفلكلورية الغنية، ازدادت يقينًا أن هؤلاء السيّاح يعرفون جيدًا وجهتهم ومقصدهم.
ففي يومٍ واحدٍ شاهدت بقايا حضارات تاريخية عظيمة، ومدنية وبنية تحتية متطورة تستوعب كل احتياجات السياح، وكأن كلَّ شيءٍ مميز موجودٌ في أنطاليا.
للمدينة طابع خاص ومميز؛ فتنوعها الطبيعي المبهر يجعل الإنسان يرى الأنهار والشلالات والغابات والجبال والبحر، علاوة على عراقة المدينة وتجذُّرها في التاريخ، كل هذه مقومات تجعل مدينة أنطاليا تستحق عن جدارةٍ لقبَ ريفييرا تركيا.