كلمة السر في التطور التكنولوجي في الصين
كلمة السر في التطور التكنولوجي في الصين
في الصين يتحول لا شيء إلى معرفة تصنع كل شيء.

في الصين يتحول لا شيء إلى معرفة تصنع كل شيء، السر يختبئ عن عيون الكسالى، ويكشف نفسه لعيون يبحث أصحابها عن معنى وجودهم في الحياة، ومعنى الحياة فيهم، كلمة السر الصينية التي تفتح أبواب الكهوف المسحورة، في مدن العجائب، هي البحث والتطوير، التي ربما كانت ترجمة صينية لنبتة الخلود، مما جعلهم لا يرون مستقبلهم فقط، بل يعيشون فيه، يرون ما لا يرى وتأتيهم طلباتهم من السماء بالتكنولوجيا وليس بالدعاء الخالي من البحث والتطوير؛ فصار يومهم يساوي شهرًا في أوروبا، وأسابيع في أمريكا وسنوات في بلاد ما زالت تقرأ ما يقوله البخت في فناجينها.

زرت إحدى الشركات الصينية التي برهنت على أنه لا شيء مستحيل، وأنه يمكنك بدء مشاريعك من الصفر، واليوم هذه الشركة تتضمن عدة أقسام كبيرة، كان يرافقني مسؤول الشركة إلى الداخل، توقفنا عند قسم التصميم، وهي قاعة واسعة يشغلها عدد من الموظفين كانوا منشغلين أمام حواسيبهم.

حملت بيدي جهازًا صغيرًا بحجم قبضة اليد، قلت للمسؤول إن الشركة تعتمد غالبًا على هذا الجهاز، أخبرني المزيد عنه! 
فقال: هذا نظام تعقب.
قلت: أنت الآن تحدثنا عن المرحلة الأولى، من هنا يبدأ كل شيء.
قال: في هذا القسم نصيغ خوارزميات قاعدة البرنامج.
قلت: الأساس؟
قال: نعم الأساس.

بحث وتطوير

هذه شركة متوسطة تقوم على البحث وتطوير، إذ يقوم معظم موظفيها على البحث والتطوير فقط، حتى الشركات المتوسطة والصغيرة والكبيرة لا تخلو من هذه الجزئية، جزئية البحث والتطوير، التفت إلى مرافقي وقلت له: يعجبني نظام البحث والتطوير.أهذه غرفة الاختبار؟ قلت ونحن ندخل إلى إحدى الغرف.
قال: نعم إنها هي، نختبر المستشعرات، لذا يعتبر هذا الجزء قريبًا للنتائج النهائية.

يا لها من تقنية عجيبة! تقنية تخدم كل القطاعات، القطاع التعليمي والطبي والترفيهي، وباقي القطاعات دون استثناء، بل حتى في القطاع الفني للمشاريع الكبيرة، وتقدم صورة أوضح للواقع، وصورة قريبة من الواقع؛ فهم يقرّبون الصورة بعرضها جيدًا عرضًا أقرب إلى الواقع. في الجانب الأيمن يقع قسم التطوير! قال لي المسؤول وهو يرافقني عبر أحد ممرات الشركة ويشير يمينًا إلى أحد أقسام التطوير.

قلت له: إنها مرحلة الإبداع. صناع المحتوى يجمعون الأجزاء معًا، ويتأكدون من أن كل شيء جاهز. هذه المرحلة الأخيرة، وتأتي بعد عدة مراحل؛ التأسيس والتطوير ثم البحث الكامل إلى حدود هذه المرحلة الأخيرة، التي توضع المعلومات الرئيسية فيها، ويُجمع كل شيء فيها، ثم تنطلق إلى العالم. إنهم يعملون على تكنولوجيا المستقبل؛ فيسبقون زمانهم بمسافات طويلة، تخيلوا معي أن إبداعاتهم تخرج من هذا المكان، ليس للمستقبل بل إلى أبعد من ذلك.

أخذت بيدي أحد الأجهزة وهو منظار متطور، تسبب في ثورة تكنولوجية وتقنية كبيرة في العالم كله، هو جهاز يرحل بك إلى عالم مختلف، قريب من الواقع، وهو يخدم عدة مناهج المنهج الطبي والتقني والصناعي، وكل المناهج من هذا الجهاز تظهر وكأنها أقرب شيء للواقع، وقد بدأت الشركة بتطويرها بشكل كبير، وأصبحت أول شركة في كل الصين تصل إلى هذا الإنجاز بتطبيق هذا النظام الفريد. بعدها، ثم أعطاني الجهاز لأثبته على رأسي وعيني مثل المنظار ودخلنا إلى عالم افتراضي أقرب ما يكون من الواقع.

نزعنا تلك الأجهزة التي ثبتناها على عيوننا، ورجعنا إلى العالم الحقيقي كما رأينا؛ فهذه التكنولوجيا نادرة وتكاد لا توجد إلا في أماكن محدودة في العالم، يمكن أن تستخدم في كل الأغراض لعرض تفاصيل دقيقة ولعرض تفاصيل للترفيه، للطب والتعليم، لعرض محاضرات من كل العالم، إضافة إلى ذلك يمكن لمجموعة من الأشخاص المتصلين عن طريق الإنترنت في مناطق مختلفة حول العالم، أن يجتمعوا في هذا العالم الافتراضي للتعلم، أو الاستماع لمحاضرة، أو حضور ورشة تدريبية للمعدات أو لأشياء أخرى، كل هذا انطلاقًا من هذا الجهاز.

عطاء وحماس

من الجميل بمكان مقابلة أشخاص كالدكتور داي، وأرى العطاء والحماس الذي يحملونه، نتكلم عن رجل كان قبل سبعة أعوام يسوِّق لفكرة غير منطقية إطلاقًا، لو عرضها على المستثمرين لبدت لهم غير منطقية، بل إن بعض الناس يستبعدون فكرة إنشاء برج أو إنشاء عمارة، حتى لو كان مجمع سكني ويعتبرونها صعبة ولا يتقبلون هذه الفكرة؛ فما بالك بأحد يأتيك بفكرة “برشو رياليتي”! هذه الفكرة التي طرحها صاحبها وواجه في سبيلها الكثير من الصعوبات، وخلال سبع سنوات أصبح لديه أكثر من ثمانية فرع حول العالم، والشركة قيمتها 300 مليون دولار.

وصلنا اليوم إلى درجة لا نستطيع فيه الاستغناء عن هواتفنا، وأصبحت البطارية لا تطيق هذا الاستعمال اليومي للهاتف، ما يؤدي بها إلى التلف، لذلك نعتمد حلولًا تقليديةً بشراء بطارية جديدة وعملية. الحل مختلف في الصين نوعًا ما، في أحد المواقع الخاصة اخترت الجهاز ثم تأكيد الطلبية، وبعد عشرين دقيقة تصل الطلبية ولكن بطريقة مختلفة.

انتظرت بضع دقائق ثم وصلت الطلبية عن طريق جهاز متنقل في الفضاء أو الدرون، بعد أن حط في مكانه أخذت الطلبية، وكانت عبارة عن كيس فيه البطارية، هذه ليست اختبارًا وليست تجربة، بل إنها طريقة معتمدة في الصين.

شركات وإبداعات في هذا المكان! قلت وأنا أتعجب من طريقة عمل هذه الشركات المبدعة، خطرت في بالي هذه الأفكار حتى وجدت نفسي واقفًا أمام مبنى الشركة التي تصنع ذلك الجهاز الذي يوصل الطلبيات، وهي عبارة عن شركة وصلت إلى المستوى الثاني، أنشأها بعض الشباب.
قمت بإجراء تجربة ميدانية حول إمكانية توصيل بعض السلع والمنتجات عن طريق “الدرون”، وأرى أن هذا الأمر قد يسود في المستقبل، ولكني لا أشعر أن الناس يعيرونه الاهتمام الكافي رغم أنه يسهل طرق العيش وسبل الحياة قال لي المدير الذي كان رفقة الموظف: نعم، نستخدمه فعليًا.
قلت: إذن كيف بدأت؟ كيف كانت بدايتك؟
قال لي وهو يشير إلى الجدار: كما ترى هنا، هذا هو الخط الزمني، لقد بدأنا في 2011 .
قلت له: هذا في إبريل/نيسان؟
أجاب: تمامًا! لقد كان هذا أول اختبار لنا لتقديم المواد الغذائية للمواطنين، وفي شهر مايو/أيار قمنا بأول استثمار.
قلت له: وأنت أين كنت؟ في مدينة الاحلام؟
نعم! أجاب مدير الشركة، ثم تابع وهو يشير إلى مكان آخر في الخطاطة: في 2015 بدأنا بتوصيل بعض الحاجات إلى الأحياء الجديدة، وكان هذا لأول مرة في الصين.
قلت: أول مرة؟
قال: نعم!
قلت: أين تصنعون الطائرة المسيرة/ الدرون؟
قال: لدينا مصنع صغير.
قلت: هنا؟!
قال لي: نعم!
قلت: ما شاء الله! وأنا أنظر إلى أجهزة الدرون الرائعة رغم صغرها تعطي منظرًا جميلًا، وتبعث في النفس الإحساس بالذوق والإبداع. ليس كبيرًا ولكنه مبتكر، ونحن نحدِّث المنتجات بشكل سريع.. قال وهو يريني الأجهزة.
قلت له: ما الوزن الذي يستطيع الدرون حمله؟
قال لي: حوالي خمسة كيلوجرامات، ولدينا مختبر لاختبار الدرون واختبار الخوارزميات، يمكنني أن أريك إياه، إنه مهم للغاية؛ لأننا نقوم بالعمل على تطوير وتحديث الخوارزميات، لذا عوض استخدام الدرون ذي الحجم الكبير، يمكننا استخدام الأصغر حجمًا واختباره هنا في الداخل، ولدينا رمز الاستجابة السريع، المستخدم لتحديد موقع الدرون.
قلت: ما مدى دقة الخوارزمية؟
مدير الشركة: يمكننا تحديد موقع الدرون في نطاق واحد سنتيم، إنها دقيقة للغاية، وهذا ما يميزنا؛ فالأنواع الأخرى تحدد الموقع في نطاق 10 أمتار.
قلت: ليو ما الذي تسعى لعمله لإفادة المجتمع؟
قال لي: كما تعلم هناك العديد من العاملين، يعملون على قدم وساق، نسعى لتسهيل الأمور؛ فالعمل البشري يزداد مشقة وتكلفة، وهذه الآلة هي البديل الأقل جهدًا وتكلفة.
قلت للمسؤول الذي كان يرافق المدير: حسنًا! بصفتك الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، أخبرني عن خطتك لكسب الربح لهذه الشركة؟ إنها لم تجنِ أي ربح حتى الآن، كيف تضمن الربح للمستثمرين؟ لماذا يستثمرون في شركتكم؟
أجاب: نحن أول شركة نقوم بهذا النوع من التوصيلات عن طريق الدرون، نحن أقوياء ومتعاونون، ولدينا شركات استثمارية داعمة مثل شركة علي بابا، وهدفنا هو اكتشاف التكنولوجيا المطورة.
قلت: هل هناك فائدة من وجود شركتكم هنا في الصين؟
أجاب: نعم الشيء المشترك هو أننا قدمنا من أجل الحصول على الدعم في هانغزو.
قلت للمدير: حسنًا! أين ترى هذه الشركة خلال الخمس سبع سنوات المقبلة؟
أجاب: نحن نأمل أن نكون منفردين ومميزين.
قلت: منفردين! كلمة كبيرة ولكنها رؤيتك.
أجاب مؤكدًا: نعم هذه رؤيتنا.

هذا المكان جميل عندما تكون السماء هي الطموح، فبكل تأكيد تكون في هذا المكان، منذ 3 سنوات كانت هذه الشركة قيمتها تقريبًا 50 مليون دولار، واليوم تحتضن أكثر من خمسين عاملًا، شركة كانت يومًا ما مجرد فكرة بسيطة في عقولهم، نتكلم عن أكثر من مليار شخص يحفرون الصخر ويكسرونه في الصين، أما نحن فلا نحتاج أن نحفر في الصخر؛ فكل الموارد متوفرة، لكننا نكتفي فقط باختلاق الأعذار، وإلقاء اللوم على أشخاص ومؤسسات، لكن في الحقيقة يجب أن نلقي اللوم على أنفسنا.