
خطوات جديدة خطوتها في بلد الديانات والمغاسل والكريكيت، بلد التنوّع والجمال، نكتشف الجديد والغريب، إذا توجهت إلى الجنوب حيث المناخ الاستوائي ومزارع الشاي، وإذا حثثنا الخطى نحو الشمال نجد أمامنا الصحراء، والإطلالة على المحيط الهندي، شبه القارة الهندية متنوعة المناخ والثقافة والتضاريس والسكان وكل شيء.
خطوت هذه المرة جنوبيّ الهند، نحو ولاية كيرلا، حاضنة أكبر محطة قطار في هذا البلد الممتد، تشاتراباتي شيفاجي ترمينوس. هناك العديد من محطات القطار تجذب الأنظار بروعتها ومعمارها، بعضها حديثة الإنشاء، وبعضها عتيق اكتفى بالتجديد والترميم؛ للحفاظ على تراث الماضي التليد.
محطة تشاتراباتي شيفاجي من هذه المنشآت التاريخية المبهرة، عرفت آنفا بمحطة فيكتوريا، نسبةً إلى الملكة فيكتوريا، مثال لافت للهندسة القوطية الجديدة الفييكتورية في الهند، ممزوجة بعناصر مستوحاة من الهندسة الهندية التقليدية. هذا البناء صمّمه المهندس البريطاني فردريك ويليام استيونز، بدأ تشييده عام 1878 واستمرّ عشرة أعوام، أصبح فيما بعد رمز بومباي، المدينة القوطية وأهمّ مرفأ تجاري في الهند.
هذه القبّة الحجرية، والأبراج الصغيرة، والأقواس الحادة، والتصميم الغريب، تحيلنا كلّها على هندسة القصور الهندية التقليدية، وتشكّل المحطة مثالًا استثنائيًا لتلاقي ثقافي متنوّع، استدعى من أجله مهندسون هنود سبلًا لدمج الهندسة الهندية، بهدف خلق أسلوب مندمج خاص ببومباي.
يقع هذا المبنى الجميل والتاريخي وسط مدينة بومباي العاصمة التجارية للهند، وافتُتِح المبنى رسميًا يوم تتويج الملكة فيكتوريا، غير أنه في عام 1996 م أطلق عليها محطة جاتراباتي شيواجي وهو اسم مؤسس حكم “إمپراتوري مراتا الهندى” الذي قاوم الاستعمار البريطانى. تحتوي المحطة على 18 منصة، سبع منصات منها للرحلات المحلية والبقية عبر المدن. وللأسف، شهدت المحطة هجومًا إرهابيًا مروِّعًا في عام 2008 .
في شوارع بومباي، كل شيء يتحرك من دون توقّف، زحام متواصل وحركة لا تنقطع، ضجيج وصخب وهدير رهيب، ويعتمد الهنود بشكل أساسي على القطارات في تنقلاتهم. كنت أتوقع أنهم يعتمدون على التوكتوك مثلًا كوسيلة لتنقلاتهم، لكني -بصراحة- تفاجأت باعتمادهم على القطار وسيلة انتقال أساسية لدى معظمهم.
يوجد في البلاد محطات جميلة، بناها المستعمر البريطاني. ومن الأشياء الغريبة التي أثارت دهشتي، وأنا أتجول في قطارات الهند، تلك الأبواب المعطلة للقطارات، يسير القطار بسرعة 80 كيلومتر في الساعة، وتبقى جميع أبوابه مفتوحة، وكأنها تقول لك إن كنت من ركابه: “اقفز إن شئت، ومتى شئت”. هذا المنظر، ربما لن تراه إلا في شبه القارة الهندية.
حين سألت سيدة هندية تدعى “ساونا”، عن الأوقات التي تستخدم فيها القطار، فاجأتني بأنها تفضل استقلال القطار ليس باعتباره وسيلة رخيصة أو ما شابه، وليس بسبب زحمة الطرق، أو فوضى معظم شوارع الهند، بل لأنه فضاء يتيح لها فرصة التعرف على أصدقاء جدد. تفضل “ساونا” القطار لأنها لا تريد أن تبقى وحيدة في السيارة، بينما في إمكانها أن تكسب صداقات جديدة في القطار، لقد كان هذا حقًا أمرً مثيرًا بالنسبة لي.
أما محطة القطار تشاتراباتي، ويرجع تاريخها إلى سنين طويلة؛ فتعكس فترة الاستعمار البريطاني في ذلك الوقت، بنيانها فريد من نوعه، وهي المحطة الأولى إنشاءً في الهند كلها. يعتمد الهنود بشكل أساسي على محطة فيكتوريا -أو تشاتراباتي- إلى اليوم من أجل الدخول والخروج من البلاد، وفي السابق كان يُعتمد عليها أيضًا في التنقلات خارج المدينة؛ فهذه محطة تتحدث عن تاريخ وعمارة وعمران الهند إبان الاستعمار.