
من يتجول ويطلع على ثقافات العالم وعاداته، يعش أعمارًا طويلة، ويمتلك من العلم نفائس ممتدة؛ فهذه فوائد الرحلة، كنوز لا تنتهي وفوائد لا تنقضي.لم أتوقع أنني سأرى الرخام يغطي كل الأبنية في راجستان، قصورها وأبراجها، حتى تاج محل لم يبخلوا عليه بهذه الكسوة العجيبة، وتعلمت كيفية استخراج الرخام وطرق قصه وتشكيله وتصنيعه وغسيله، ثم الرسم عليه وتحويله إلى أشكال ذات بهجة، ومن ثَمَّ تصديره إلى مختلف أنحاء العالم.
تشتهر الهند بصناعة الرخام الأخضر المميز، ويحظى الرخام الهندي بإقبال عالمي كبير، ويعتمد الاقتصاد الهندي -نسبيًا- على تصدير الرخام، وتعد منطقة راجستان من أكبر مناطق إنتاج وتصنيع الرخام في الهند. كانت فرصتي ذهبية لزيارة قصر “أديبور” الواقع قبالة بحيرة أوديبور، والمطل على شرق آسيا، إنه قصر من الرخام كأنه بلورة زاهية تنبث وسط البحيرة، لعلَّه من أجمل المباني التي أراها في حياتي، تحفة معمارية فريدة، عمره أكثر من 100 سنة.
قيل لي إن المهراجا سينغ -عمَّر المنطقة قبل 270 سنة- أمر ببناء قصر للترفيه عن نفسه؛ فظهرت هذه التحفة المعمارية الجميلة. تحوَّل المكان إلى فندق من أقدم وأجمل فنادق العالم، إثر اقتراح تقدمت به قرينة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي خلال زيار القصر، ووافق الملك على الاقتراح لتتغيَّر هويته إلى فندق، يجلب إليه الأنظار من شتى بقاع الأرض للاستمتاع بمشاهدته.
زار هذا الفندق شاه إيران ونزل به ملك نيبال، وزارته الملكة إليزابيث الثانية، وشهد أحداثًا تاريخية غيَّرت وجه المنطقة بالكامل، وعرفت أروقته صناعة قرارات كبيرة حركت دولًا وأحدثت تغييرات مؤثرة.