
استيقظت في الرابعة صباحا وجهزت نفسي بانتظار السيارة التي ستقلُّني إلى شارع الموت الموجود في وديان بوليفيا، لأركب دراجتي هناك وأعبر (40) كيلو متراً نزولاً في قلب الوادي، ومن المعروف أنه أخطر شارع في العالم. وصلت المركبة وانطلقنا في رحلة استغرقت ثلاث ساعات متراوحة بين المرتفعات بالإضافة إلى الازدحام وتلوث السيارات والمطبات، وشعرت أنَّ هذه الرحلة ستدوم إلى الأبد وحمدت الله لأنني لم أتناول شيئا قبل الانطلاق وإلا لشعرت بتوعكٍ.
عند الوصول أخذت قسطا من الراحة كي أسترجع أنفاسي ويتوقف الصداع في رأسي، وخلال ذلك نظرت إلى الوادي نظرةً سريعةً جعلتني أشهق من جمال المنظر وروعته، فالوادي مغلَّفٌ بالغيوم والشلالات تهبط في قلبه، فتحمست كثيراً لهذه المغامرة التي سأقوم بها، لذلك قرأت تعليمات السلامة وانطلقت بدراجتي مع مُرشد الطريق في رحلةٍ جنونية لشارع الموت الذي يبتلع سنويا حوالي (300) شخصٍ يسقطون بسبب الانزلاقات والسرعة. لكنه ورغم المخاطر فهو يُعتبر الوجهة الأولى لمحبي المغامرة وسائقي الدراجات الهوائية، فطريقه الترابي المتعرج وانحداره من جبال الأنديز الذي يصل لاباز بمدينة كوريوكي الاستوائية في غابات الأمازون حيث يصبح للدراجة متعة مختلفة.
خلال سيري بالدراجة دخلت في قلب الغيوم وأصبحت رؤية الشلالات أوضح ومختلفة من الداخل ولهذا بتُّ أعرف السبب الحقيقي لمجيء الناس والمغامرين إلى هنا ألا وهو رؤية سحر هذا المكان الذي يصعب وصفه بمجرد كلمات، ولهذا فإنَّ ثمن رؤيته قد يُكلِّفَ غاليا جداً. قطعت المُنحنيَين الإنجليزي والألماني، وعندما وصلت إلى المنحنى الفرنسي سألت مرشد الطريق عن سبب تسمية المنحنيات ببعض أسماء البلدان فأخبرني بأن السبب يعود إلى موت أشخاص من جنسيات هذه الدول عندها أيقنت بدون شك أنَّ اسم هذا الشارع (الموت)، وصفته بأنه الأخطر في العالم ليست شهرةً سياحية أبداً فمن السهل هنا السقوط من المنحدرات خاصةً لمن يستهزئ بهذا الطريق، فكلما قطعتُ عشرة أمتار تقريبا وجدتُ علامةً لِّقبرٍ مجهول.
استمتعنا بحذر وخرجنا من أعالي جبال الأنديز ثم وصلنا إلى أطراف غابات الأمازون، وهنا شعرت بالارتياح ليس بسبب وصولي إلى هنا بأمان بل لأنني وقفت على ارتفاع (760) متراً وعادت إليَّ أنفاسي الطبيعية وتلاشى صداع رأسي، لذلك استمتعت كثيراَ وأنا أتناول وجبة الغداء متناسيا بأنني سأعود من الطريق نفسه الذي جئت منه ولكن هذه المرة بالسيارة.
أخذت قسطا قليلاً من الراحة عندما رميت نفسي إلى السرير المربوط بين شجرتين مع مداعبة نسمات الرياح الاستوائية الخارجة من أدغال الأمازون فغرقت في نوم عميق لمدة ساعة وتمنيت لو كانت أطول إلا أنَّ مرشد الطريق وأيقظني كي أركب معه السيارة للعودة إلى مدينة لاباز، وعلى الرغم من انزعاجي بأنني أود البقاء هنا فترةً أكثر لأشُبع رغبتي وعيوني برؤية هذا المكان الشبيه بالخيال ولكنني راضٍ بالذي حملته في ذاكرتي من هنا.