
عرفت مدينة قونيا أزهى عصورها مع دولة السلاجقة. وشهدت المدينة حروبا وصراعات خلال تاريخها الطويل، فموقعها الاستراتيجي جعلها محل أطماع لكثير من الدول والإمبراطوريات المتعاقبة.
شهدت قونيا أحداثا مفصلية غيرت مجرى التاريخ، ومن تلك الأحداث معركة ”ملاذكرك“ التي وقعت سنة 1071م والتي درات رحاها بين الإمبراطورية البيزنطية والسلاجقة، وانتهت بهزيمة البيزنطيين. بعد هذه المعركة، بدأ الانحسار التدريجي للمسيحية في منطقة الأناضول في مقابل انتشار الإسلام.
وتحتضن مدينة قونيا ”تمثال جحا“، فكان من الطريف أن أعرف أنه في الثقافة التركية يوجد أيضاً شخص مشهور يدعى ”نصر الدين هوجا“، معروف بنوادره وطرائفه، وهذا يدل على الروابط التاريخية والحضارية العميقة بين العرب والأتراك.
تأثرت مدينة قونيا بالفكر الصوفي الفلسفي، ويعود ذلك للمتصوف جلال الدين الرومي، الذي استقر في مدينة قونيا، ليؤسس طائفة ”المولوية الدرويشية“، مما جعل من مدينة قونيا عاصمة صوفية بامتياز. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المدينة تحتضن متحف ”مولانا“ الذي افتتح سنة 1927م، ويحوي المتحف ضريح المفكر والعالم الصوفي ”ابن الرومي“.
وفي قلب مدينة قونيا يقع جامع ”العزيزية“، الذي شيِّد سنة 1676م. وما يميِّز هذا الجامع هو وجود مئذنتين لكلّ واحدة منها شرفة مدعومة بأعمدة، وله قبة كبيرة وشبابيك واسعة. ورغم أن جامع العزيزية مبني على الطراز العثماني الأصيل، إلا أن التأثيرات الأوروبية واضحة عليه، وهذا عائد بالأساس إلى سياق القرن الـ 19 وما عرف به من تزايد النفوذ الأوروبي داخل المجتمع التركي العثماني. وتضم مدينة قونيا أيضاً مسجد علاء الدين، ومدرسة ”كاراتي“، وخان ”زازادن“ الحجري، ويرجع بناء جميع هذه المعالم للقرن الثالث عشر للميلاد.
أينما حللت أو ارتحلت في مدينة قونيا وجدت جغرافيا متنوعة، فعلى بعد مسافة قريبة من المدينة توجد ثاني أكبر بحيرة عذبة في تركيا، وهي بحيرة ”بيشهير“ التي تتجاوز مساحتها 656 كيلومتراً مربعاً. والبحيرة صافية تحيط بها جبال مكسوة قممها بالثلوج البيضاء، وتتدفق إليها المياه عبر 5 أنهار. لوحة طبيعية ومنظر خلاب يجعل الإنسان ينبهر من روعة المكان وجماله.
كانت رحلتي إلى مدينة قونيا ممتعة ومفيدة معاً، فالتاريخ العريق والتنوع الطبيعي والجغرافي، جعلا من المدينة ذات طابع مميز، إضافة إلى دماثة أخلاق أهل المدينة وما يتمتعون به من لطف وسعة صدر وتعاون مع السياح، وكل هذه الأسباب جعلت رحلتي مميزة وستبقى تفاصيلها مطبوعة في ذاكرتي.